بدر الإبراهيم
في البدء تبريرٌ للهزيمة الكروية بالكلمات التقليدية، ثم تتطوّر الأمور: تنهال المكالمات المستغيثة من الخرطوم. يصرخ المغني من هناك صراخاً هستيرياً: «إلحقونا... إحنا بننضرب». وتتوالى الاتصالات ويتصاعد الهياج في الاستديو. يشدد عمرو أديب على ضرورة عدم الخروج إلى الشارع حتى يذهب «السفلة دول في ستين داهية». يذهب زميله المذيع إلى أبعد من ذلك: «لازم السودانيين يتحركوا ويحموا أولادنا وإلا إحنا حَنِتحرَّك... وفي جزائريين في مصر إحنا ممكن نقتلهم وناخد بثأرنا»!
تستمر الاستغاثات من أرض المعركة، ويطلق وزير الإعلام المصري تصريحاً عنترياً يلقى ترحيب المُذيعَين. يتواصل الحديث الانفعالي ضد الجزائريين والتأكيد على أن ما يحدث سببه «طيبتنا الزايدة». يتّصل المخرج خالد يوسف، يُكذّب المبالغات التي سمعها ويضع الأمور في حجمها الطبيعي، ثم ينطق بكلمة «الكفر»: «الشعب الجزائري محبّ لمصر». يُقاطعه مُذيعا «القاهرة اليوم» بتأفف ويقفلان الخط.
تبدأ حفلة التنديد بـ«الخونة» أمثال يوسف، والتوعّد بمحاسبتهم على خيانتهم. يتصل رئيس تحرير «المصري اليوم» معتذراً عن مبادرته تجاه الجزائريين وعائداً إلى «النهج الوطني» فيلقى الترحيب. تتواصل البراءة من العروبة مع اتصالات من «فنانين» يحلمون بممارسة البلطجة ضد «العدو». تُحمّل الدولة الجزائرية المسؤولية عن إرسال المجرمين، ويتصل المستشار الطبي للسفارة المصرية في السودان مفنّداً الشائعات التي تداولها البرنامج لكن من دون فائدة.
لا يحتاج الأمر إلى تعليق، فقد بلغت بعض وسائل الإعلام درجة بالغة الخطورة من التردي والتخلف، ولا مَن يحاسب على ترويج الأكاذيب والتحريض المباشر على القتل. والمؤسف أن بعض العقلاء الذين كان يُتوقع منهم مواجهة حملات الكراهية باتوا جزءاً منها وأعلنوا توبتهم عن العقلانية.
نجحت الأنظمة بإعلامها في تحريك الغرائز الجاهلية لدى الناس ليصبحوا وقوداً للحرائق السياسية المُشتهاة، فيبتعدوا عن الأساسيات ويسمحوا باستمرار القمع والجهل والتخلف.
ثقافةٌ تنضح بالتعصب والإقصاء هي ما عبّر عنه البرنامج، وهي مترسبة في المجتمعات العربية وسط غياب ثقافة الحوار عن المشهد السياسي وعن التعليم واستقالة النخب الفكرية والثقافية من العمل التوعوي ووجودها إما في أحضان السلطة لتمارس التعبئة المطلوبة وإما في أبراجها العاجية.
الأزمة المصرية ــــ الجزائرية نتاج تسيّد الجهل في مجتمعاتنا بأمر السلطة. والإعلام هنا يكرّس غياب الوعي، ويحتكر الوطنية ويُقصي مَن لا يسير على خطّ التعصب. وهو في النتيجة يصنع معركةً يمكن تصنيفها في خانة... الكوميديا السوداء.


«الجزيرة» منحازة؟

انهالت عشرات التعليقات الغاضبة على موقع قناة «الجزيرة» من قراء مصريين. واعترض هؤلاء على خبر يؤكد وقوع حالات شغب في ثلاثة ملاعب مصرية مساء الأحد الماضي. وأكد المعلقون عدم صحة الخبر، مذكّرين بأنّ القناة القطرية كانت أول من ضخّم خبر تعرّض الحافلة التي تقلّ اللاعبين الجزائريين في القاهرة إلى الاعتداء. وأكّد المعلقون المصريون أن «الجزيرة» تفقد بهذه الطريقة تعاطف الشارع المصري معها ضد الهجوم المكثف الذي تتعرّض له من الإعلام الحكومي المصري. كما رفض أصحاب التعليقات الصورة التي تحاول «الجزيرة» ترويجها عن الشعب المصري، إذ رأى هؤلاء أنّ التركيز على أعمال العنف يهدف إلى تصوير المصريين على أنهم شعب عنيف.