النشر بين تحديات الماضي وآفاق الحاضرزينب مرعي
المطالعة ليست سلوكاً طبيعياً لدى المواطن العربي، لا بل تأتي في آخر اهتماماته. هذا ما كنّا نعرفه وأعدنا اكتشافه من خلال الإحصاءات المخيفة التي طُرحت في مؤتمر «حركة التأليف والنشر في العالم العربي» الذي نظّمته «مؤسسة الفكر العربي» على مدى اليومين الماضيين، تحت عنوان «كتاب يصدر... أمّة تتقدّم». بعضهم يقول إنّ كتاباً واحداً يصدر لكل 12 ألف مواطن عربي، والبعض الآخر يقول إنّ كتاباً واحداً هو حصّة مئة ألف مواطن. والخلاصة أنّ وضع القراءة والقارئ مأساوي... وكذلك الإحصاءات العلميّة في العالم العربي. الأرقام في شتّى المحاور المتعلّقة بالكتاب لا تستند إلى دراسات حقيقيّة. ومتى غابت المعطيات العلميّة، سادت مكانها الخرافات والتكهّنات، وابتعدنا عن تحقيق تقدّم فعلي في الموضوع. هذه إحدى أبرز المشكلات التي طرحها المؤتمر.
وعندما أعلن مدير جلسة «النشر بين تحدّيات الماضي وآفاق الحاضر» الإعلامي بسام القادري أنّ التقارير تتحدّث عن فقدان ثلاثة أو أربعة ملايين مخطوط عربي، اعترض مدير مركز المخطوطات في مكتبة الإسكندرية يوسف زيدان على الرقم، مشيراً إلى أنّه من جرّاء خبرته في الموضوع، يعرف أنّ التراث العربي بكامله لم يُنتج عُشر هذا الرقم. تقول لك الأرقام أيضاً، إنّه في كلّ مئة بيت عربي، ستجد مكتبةً واحدة، وإنّ العربي يعطي ستّ دقائق من وقته في العام للقراءة. أي وضع قادنا إلى هنا؟ توزعت الأسباب التي أعطاها المحاضرون. المفكّر المغربي علي أومليل، وسفير بلاده في لبنان، رأى أنّ شباب اليوم يُقبلون على كتب «الدعوة الإسلاميّة» التي يجب أن نميّزها عن كتب البحث الإسلامي. وهم ليسوا إلّا نتاج النظام التعليمي الراهن في البلاد العربيّة. معرفتنا باللّغات الأجنبيّة تتضاءل، وتواصُل جامعاتنا مع جامعات الخارج يقلّ. هكذا، أصبحت هذه الجامعات التي تشيع معرفة محلّية تكرّر نفسها، برأي أومليل، وتُنتج أعداداً هائلة من الطلّاب الذين يطلبون ما هو موجود وتقليدي.
الأرقام المتعلّقة بصناعة الكتاب لا تستند إلى دراسات حقيقيّة
في المقابل، رأى الباحث المصري وحيد عبد المجيد (الهيئة المصريّة العامة للكتاب)، أنّ مشكلة القراءة في عالمنا لا ترتبط بالأميّة، مشيراً إلى أسباب أخرى خلف العزوف عن القراءة، منها سعر الكتاب المرتفع في بعض الدول، ومشكلة تسويقه وتوزيعه بسبب غياب شركات متخصّصة، وأخيراً الرقابة والمصادرة التي تمنع الكثير من الكتب من الخروج من المستودعات. أمّا كاتب الأطفال يوسف عبد التوّاب، فرأى أنّ للمشكلة جذوراً أيضاً في معاناة كتب الأطفال. «بإصدار ألف عنوان في السنة فقط للأطفال نحن نحدّ من قدرتهم المستقبليّة على الإبداع ونقلّل من كتّاب الغد وقرّائه ». وإن كان المؤتمر قد كرّر المشاكل التي نعرفها وبيّن لنا أنّه بين مؤتمر وآخر عن الكتاب لا يبدو أنّ هناك شيئاً تغيّر، فإنّه حاول على الأقلّ أن يضع الإصبع على الجرح، مشيراً إلى مكامن الخطأ كي يُصار ربما إلى إصلاحها.
هكذا رفض المحاضرون حجّة أنّ الإنترنت أو وسائل الإعلام تُبعد الشباب عن القراءة. ورأى الأكاديمي المصري محمد محسن النجّار أنّ من ذاق لذّة الكتاب لا يقايضها بشيء. وإن كان جواب النجّار طوباوياً بعض الشيء، فإنّ الأكاديمي اللبناني مسعود ضاهر وضعنا أمام الحقائق العلميّة، قائلاً إنّ «اليابان هي من أكثر الدول استخداماً للإنترنت. مع ذلك، فإن كاتباً مثل موراكامي يُصدر مليون نسخة من كتابه، فكفانا أوهاماً».
علاقة الدولة بدور النشر، موضوع آخر طُرح للنقاش. هل يجب أن تتمتّع الدولة بجهاز لمساعدة النشر؟ هل نحتاج إلى «إرشاد قومي» أو دور للدولة في توجيه النشر ورعايته؟ يجيب مسعود ضاهر: «يجب ألّا ننسى أنّ الناشر تاجر في النهاية. في فرنسا والدول الإسكندينافيّة، تقوم الدولة بواجبها في دعم الثقافة والنشر. لكن هنا علينا أن نسأل: أيّ دولة تدعم الثقافة؟ الأنظمة العربيّة غير مؤهّلة لدعم مشروع نهضوي ثقافي، لذلك مَن عليه تحمّل عبء هذا الدور اليوم، هو المؤسّسات الثقافيّة والمدنيّة وغيرها».