جميل شعثكان المهرجان رائعاً وقدتُ مع غسان زقطان حفلة تكريم درويش. غادر غسان قبل انتهاء المهرجان وبقيت أنا الفلسطيني القادم من أرض معذبة، أضع الجمهور في واقع غزة. اقترب رجل مسنّ عرّف نفسه بأنّه يهودي. عانقني وبكى وقال إنّه يشعر بالعار ولا ينتمي إلى دولة إسرائيل، أجبته: ليس عندي مشكلة معك، بل مع الاحتلال.
أنتَ من خان يونس! نحن نؤجّر بـ 50 يورو ولأنك من غزة فهات 30
بعد المهرجان، غادر الشعراء إلى أوطانهم. حتى مواطني غسان زقطان غادر إلى رام الله. أما أنا، فلم يكن عندي خيار العودة إلى غزة بسبب مأساة الفلسطيني على معبر رفح الذي لا يفتح إلا مرّة كل شهرين أو ثلاثة حسب المزاج المصري وسياسة الحكّ بين «حماس» و«فتح» ومصر وإسرائيل. لذا ارتأيت مغادرة باريس إلى عاصمة أوروبية تستوعب معاناتي. وبدأت رحلة التنقل عبر المدن بالقطارات، استجوبني الكونترول الألماني وفتّش حقيبتي قبل دخول الدنمارك. في كوبنهاغن، قضيت ليلة صعبة. وصلت بعد منتصف الليل ورحتُ أبحث عن فندق. صادفت بنتاً صومالية تفهم العربية، ساعدتني ووصلنا إلى بانسيون يعمل فيه أفغاني، فرح لأنّني فلسطيني من غزة. أمسك جوازي وقال: «أنتَ من خان يونس! نحن نؤجّر بـ 50 يورو ولأنك من غزة فهات 30». بعدها غادرت كوبنهاغن إلى استوكهولم فأوسلو. لم يقع اختياري على مدينة الشؤم هذه استئناساً بالمكان الذي شهد توقيع اتفاقية بين الاحتلال وياسر عرفات، بل لأعمل هدنة مع الثلج، وانتظر ماذا سيحدث، وأصغي لانكشافاتي في هذه الغربة القسرية!
* شاعر فلسطيني