ريشار لابيفيير يعيد فتح ملفّ «الأونيسكو» باريس ــــ عثمان تزغارت
قيل الكثير عن خلفيات إطاحة المرشح المصري فاروق حسني في انتخابات «الأونيسكو» بعدما كان في الطليعة. هل ما حدث من تحالفات ومعارك في الكواليس يندرج ضمن السياق الطبيعي لانتخابات ديموقراطية؟ أم أنها «مؤامرة» اشتركت فيها لوبيات سرية وأجهزة استخبارات؟ صحيح أن التعاطي مع ملف «انتخابات الأونيسكو» يقتضي الحذر من الانزلاق إلى «نظريّة المؤامرة» الشائعة التي تصادر الوعي النقدي، وتصوّر وزير الثقافة المصري بطلاً قوميّاً في مواجهة أعداء الأمة، وتبرّر فشل حملته رغم الإمكانات المالية والدبلوماسية المرصودة من نظامه الذي ليس مثالاً يحتذى في المعركة مع الصهيونية... لكن هل يمكننا في المقابل تجاهل ما كشف عنه ريشار لابيفيير قبل أيّام، في مقالة نشرتها «أهرام إيبدو» في القاهرة، عن تورط الموساد الإسرائيلي في حملة إسقاط فاروق حسني؟
الإعلامي والكاتب الاستقصائي والباحث الفرنسي معروف برصانته، وبصلابة معلوماته وجديّة مصادره. من هنا ارتأينا إعادة فتح هذا الملف الشائك. بغضّ النظر عن شخصية حسني وأدائه وزيراً للثقافة على مدى ربع قرن، يبدو أن وصول مرشح عربي ـــــ مهما كان «معتدلاً» و«موالياً للغرب» ـــــ إلى قيادة منظمة كـ«الأونيسكو»، أثار فعلاً مخاوف إسرائيل وجماعات الضغط الصهيونية... إذا صدقنا رواية لابيفيير. لقد فجّر الصحافي الفرنسي قنبلة وصل دويّها إلى أروقة «قصر الإليزيه». إذ كشف أن تقارير استخبارية فرنسية رصدت فرقة من الموساد جاءت سراً إلى باريس، وأدارت الحملة ضد حسني، عبر ممارسة ضغوط على وسائل الإعلام وسفراء الدول الغربية في «الأونيسكو».
«الإليزيه» كان على علم بهذه التحرّكات غير الشرعيّة
«الأخبار» التقت لابيفيير في منزله الباريسي، وسألته عن المصادر التي استقى منها معلوماته، فأجاب: «ما أنا متأكّد منه، انطلاقاً من معلومات فعلية تثبتُّ منها من مصادر أمنية فرنسية متعددة، أنّ 8 عناصر استخبارات إسرائيلية أقاموا في فندق في الضفة اليُسرى الباريسية (...) والمؤكد أيضاً، انطلاقاً من وثائق ملموسة، أن هذا الفريق عمل شهرين على شكل لوبي منظَّم لتحطيم حملة المرشح المصري، عبر الضغط على السفراء في الأونيسكو، وصحافيين ورؤساء تحرير الصحف الفرنسية، مثل «لوموند» و«ليبراسيون» و«الإكسبرس»...».
ويضيف لابيفيير: «طبعاً، من حق كل مجموعة في الأونيسكو تأليف لوبي للدفاع عن مصالحها. لكن المقلق أن نرى حملات تُدار من السفارة الإسرائيلية في باريس، وهذه ليست المرة الأولى، وينضم إليها دبلوماسيون ورجال استخبارات وإعلاميون فرنسيون، فضلاً عن تشكيلة واسعة من الجمعيات المقربة من حركة «البيتار» الصهيونية، شبه المسلحة التي تمارس ضغوطاً على وسائل الإعلام وعلى الصحافيين الذين يكتبون عن قضايا الشرق الأوسط. وأنا نفسي كنت ضحية تلك الجمعيات مراراً. وتلك الآليات المقيتة التي لجئ إليها في انتخابات الأونيسكو، جعلت الحملة على فاروق حسني تتجاوز حدود اللوبي العادي».
وعن مصادر معلوماته ومدى موثوقيتها، يقول: «إنها معلومات فعلية وموثوقة. وقد تثبتُّ منها على نحو كامل. اطلعتُ على عدد من الوثائق السرية، وتحادثتُ بشأنها مع مصادر متعددة في الأجهزة الأمنية المعنية. وأكّدها لي مسؤول كبير في قصر الإليزيه. ولا أحد شكّك في كونها وقائع فعلية ومؤكدة. حتى مصادر قصر الإليزيه لم تنف علمها بنشاط تلك العناصر الثمانية من الموساد. لكن تلك المصادر قالت لي إنّ قصر الرئاسة لم يكن متأكداً من سبب وجودهم في باريس، وإذا كان هدفهم تأليف لوبي متعلق بانتخابات الأونيسكو أو بالملف الإيراني». وهنا، يخلص لابيفيير الذي يعاني من حصار إعلامي في فرنسا، ما جعله ينشر مقالته في القاهرة، إلى القول: «أعتقد أن مصادر الإليزيه تتعمد إثارة هذا الغموض، بهدف الاحتفاظ بهامش مناورة، تحسباً لاحتمال اضطرارها لتقديم توضيحات في هذا الشأن لاحقاً، وفقاً للتطورات التي يمكن أن تشهدها القضية».