سناء الخوريقضية قبر فيديريكو غارسيا لوركا (1898ـــــ1936) لم تقفل بعد. ما زالت مسألة فتح الحفرة التي تضمّ رفات الشاعر الإسباني الشاب (المفترضة)، ورفات ثلاثة ممن قضوا معه في أحد حقول ألفاكار (جنوب غرناطة)، تثير أخذاً ورداً. بعدما عارضت العائلة طويلاً نبش القبر، وافقت أخيراً على إجراء اختبار حمض نووي يسهل التعرّف إلى الشاعر. وكانت رغبة عائلات الضحايا الآخرين محركاً أساسياً في القضيّة، وخصوصاً أنّ هؤلاء لم يخفوا رغبتهم في نقل جثث أقاربهم إلى مراقد أخرى. وقالت لورا غارسيا لوركا، ابنة أخي الشاعر، الأربعاء الماضي في حديث لصحيفة «إل باييس» الإسبانيّة، إنّ العائلة وافقت أخيراً على إعطاء عينة من الـ«دي أن إيه»، للتعرف إلى جثة لوركا، «حين يصبح الوقت مناسباً لذلك» بحسب تعبيرها. لكنها في المقابل، أصرت على أنّ ذلك لا يعني موافقتها على نقل الجثّة. هكذا أصبحت مسألة فتح الحفرة الشهيرة، التي شغلت الإسبان طويلاً، مسألة أسبوعين أو ثلاثة بحسب السلطات الرسميّة في مقاطعة الأندلس الإسبانيّة.

شاعر الغجر استحال مع مرور السنين رمزاً لضحايا الحرب الأهلية الإسبانية

قضيّة القبر هذه، حرّكها القاضي بلتازار غازرون في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، حين بادر إلى فتح تحقيق حول مصير أكثر مئات آلاف المفقودين خلال الحرب الأهلية، بهدف إعلانهم ضحايا جرائم ضدّ الإنسانيّة. لكنّ النيابة العامة الإسبانيّة أوقفت القضيّة احتراماً لقانون عفو عام صدر عام 1977.
نبش قبر لوركا، يفتح صفحات لم تطوَ بعد من التاريخ الإسباني، يختلط فيها القضائي بالسياسي والوجداني. تلك الحرب التي ألهبت مشاعر ملايين المتحمسين حول العالم ومنهم همنغواي ومارلو وأدباء آخرين، تعود اليوم إلى دائرة الضوء. شاعر الغجر استحال مع مرور السنين رمزاً لضحايا الحرب الأهلية الإسبانية، ورمزاً لكل من قضوا تحت نير القمع والاستبداد حول العالم. أضف إلى ذلك، أثر لوركا في الوعي الإسباني، وحظر نظام فرانكو لأشعاره حتى وفاة الديكتاتور عام 1975.
كل ذلك يتوقف عند احتمال ألا يثبت اختبار الحمض النووي وجود لوركا هناك. نستعيد مع الشاعر نبوءة موته: «عرفتُ أنني قتيل: فتشوا المقاهي والمقابر والكنائس/ افتحوا البراميل والخزائن/ اسرقوا ثلاثة هياكل/ عظمية/ لينتزعوا أسنانها الذهبية/ ولم يعثروا علي!/ ألم يعثروا علي؟/ نعم / لم يعثروا علي!»