عندما تتصل بعمر راجح مستوضحاً عن جديده، يجيبك مرحِّباً في أي وقت كان، رغم زحمة المواعيد على برنامجه هذه الأيام. إلى جانب مواكبة «تكوين»، انهمك الكوريغراف اللبناني في وضع اللمسات الأخيرة على عمله الجديد ــــ أو «المتجدد» بتعبير أدق ــــ «اغتيال عمر راجح». بدأ هذا العرض الراقص يتبلور منذ «ملتقى بيروت للرقص المعاصر Bipod» الربيع الماضي، حيث عرضت مشاهد غير مكتملة منه، ليصل إلى صيغته النهائية... أخيراً. وبعد ورشة تركيب وتجميع وقص وإضافة، تلاها عرض باريسي، يعود العمل إلى «مسرح المدينة»، حيث يعرض ابتداءً من مساء غد على مدى أربع ليالٍ. في «اغتيال عمر راجح»، يتداخل السياسي بالفردي، والفعل الجرمي بالفعل الراقص...
انطلق مؤسس «مسرح مقامات للرقص المعاصر» من الاغتيالات التي طاولت الصحافيين في لبنان، منذ عام 1915 حتّى عام 2005، ليشتغل على ثيمة الإلغاء والرفض... في كوريغرافيا تطرح أسئلة عن فن الرقص نفسه، وعن جدواه في مواجهة العنف المعنوي والجسدي.
عن اغتيال الصحافيين في لبنان منذ عام 1915
«كلمة الصحافي تحوّل جسده إلى عنصر يجب إلغاؤه. وقد وظفت هذه المعادلة في صناعة الحركة وشدّها»، يخبرنا راجح. لا يبغي العرض توثيق محطات تاريخية فقط، فهو يمرّ على اغتيال أكثر من 26 صحافياً من كامل مروة، ونسيب المتني وسليم اللوزي، حتى سمير قصير وجبران تويني، ليسأل عن جدوى أيّ إبداع فني في بلاد تطفو على بحيرة دماء. «لماذا نرقص في الأساس؟ كان هذا سؤالنا الأولي. وجدنا أنّ مجرّد الإصرار على هذا الفعل، هو بحدّ ذاته رفض للواقع. أمام التحجيم المستمرّ للحياة الثقافيّة والفكرية، منذ ما بعد الحرب الأهليّة اللبنانيّة، نسأل عن دور أهل القلم والفنّ في القرار السياسي».
أسئلة الحرب وما بعدها، طرقها عمر راجح في أعماله السابقة منذ «بيروت صفرا» (2002) و«حرب ع البلكون» و«ماء بارد» (2003) وصولاً إلى «استمناء ذهني» (2004) و«قهوة بيضاء» (2005). هنا، يخرج بنصوص ومشاهد تتحرّى مسؤولية الرأي العام أمام تلك الاغتيالات من جهة، وصمته عن الاغتيال اليومي لمساحة الحريّة الباقية للإبداع والفكر من جهة ثانية.
هواجس مزمنة، صهرتها المجموعة على مستوى الحركة، ترافقها موسيقى المغربي نجيب شرادي صاحب فرقة «وشم»، وسينوغرافيا لفادي يانيتورك. العرض الذي يعتبره عمر «أنضج» أعماله، سينطلق بعد محطّته البيروتية إلى عروض عالميّة بين فرانكفورت وباريس وأمستردام ولندن وروما وبرلين... يشاركه في العمل كلّ من ليزيت شحادة، وميا حبيس، وعلي شحرور، وأحمد غصين، الذين يسعون إلى غرس الرقص المعاصر في بيئته، وطرح الأسئلة الأكثر إلحاحاً.
سناء...


8:30 مساء غد وحتّى 18 تشرين الأول (أكتوبر) ــــ «مسرح المدينة» (الحمراء/ بيروت) ــــ للاستعلام: 01/999666