تونس ـــ نبيل درغوثتوفيق الجبالي كائن مسرحي بامتياز. يعيش المسرح كلّ ساعة. حياته مسرحية متواصلة من دون نهاية. إنّه رجل يؤمن بالخطاب المسرحي كفعل ثقافي يمكن أن يغيّر العالم، لكن عالمنا الصغير والفردي والحميم... وفي الأمس القريب، أطلّ علينا المسرحي التونسي هذه المرة بعمل جديد هو «مانيفستو السرور». اعتمد الجبالي على كتابات علي الدوعاجي (1909 ــــ 1945)، واختار منها ما رآه متماشياً مع الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي الراهن للمواطن التونسي (والعربي).
وفق متطلبات الفرجة، أنجز الجبالي «مانيفستو السرور» منطلقاً من كتابات الدوعاجي منتقياً منها شذرات أعاد كتابتها كتابةً تعنى مباشرة بالإخراج الركحي للعرض المسرحي. وهذا ما نستشفه في لوحة «راعي النجوم» (نصّ مسرحيّ لعلي الدوعاجي) من خلال توضيب مسرحي اعتمد على ستائر بلاستيكية بيضاء اللون واستغلال محكم لتكنولوجيا الإنارة ليؤثث بهما الجبالي مناخاته البصريّة. انعكاس الضوء على أجسام الممثلين كوّن صورة لظلالهم من وراء الستائر المربعة، ليصبح المشهد كأنّه نيغاتيف الأفلام الفوتوغرافية. اجتماع الإضاءة والستائر وظلال الممثلين كوّنت صورة تشكيلية تؤكد القدرة الإخراجية الكبيرة لجبالي. لكن هذه الستائر (كأنها مستعارة من «جان جينيه») والإضاءة، لم تقتصرا على لوحة «راعي النجوم» فقط، بل مثّلتا مكوناً أساسياً للوحات، مع توظيفات مختلفة من لوحة إلى أخرى وفق رؤية سينوغرافية ذات مفردات بصرية وتشكيلية تحمل الكثير من الدلالات الأيديولوجية والاجتماعية.
كل عناصر الديكور والإضاءة، والمفردات الإخراجيّة، واللغة الحركيّة والبصريّة، والموسيقى التعبيرية، مثّلت بمجموعها نسيجاً فنياً متكاملاً للعمل. وكالعادة أعدنا اكتشاف أحد أبرز المسرحيين التوانسة، في مقاربة جديدة للراهن من خلال تراث شخصيّة أدبيّة متمرّدة تنتمي إلى الذاكرة الثقافيّة الجماعيّة. ترى ما هي أواصر القربى (الروحيّة) التي تربط الجبالي بعلي الدوعاجي؟...