محمد خير«حاطط بيانو في برج المراقبة/ وعنده أمل إنهم لما يسمعوه بيعزف/ ح يتغيروا من ناحيته/ بس كل مرة... الريح بتشوّه النغمات/ وتخليها ضحكة سخرية طويلة». في ديوانه «م المرحلة الزرقا» (دار المحروسة ـــ القاهرة؛ كتاب الكلّ ـــ الإسكندريّة)، يكتب عبد الرحيم يوسف بعامية نثرية هامسة، وينحو نحو سخرية شبه عدمية، سوداء وحميمية في الوقت عينه... سخرية تطال صاحبها نفسه. «اتفرج عليكي وانت بتغوصي ببطء في بير الذكريات/ حلوة بير الذكريات دي!/ أكيد بتفكرك بكلام زي: العمق، والعطش، والجفاف، والرحيل/ لكن بالنسبة لي/ ما بتفكرنيش غير بالوهم/ لإني عمري ما شفت بير حقيقي»! يستعين يوسف بالغرائبية لتبرير الوقائع. «كتيبة نمل احتلت البلكونة!/ هي دي الحجة اللي بيقولها لجيرانه/ لما بيسألوه عن طول الغياب
/ هزيمة متوقعة للولد اللي ياما شن غارات/ على صفوف نمل كاملة في نفس البلكونة/ وما كانش بيتورع عن قتل الشيوخ والأطفال والعمال». لكن لا السخرية ولا الغرائبية

سخرية شبه عدمية، سوداء وحميمية في آن
أعاقت طموح الشاعر لنسج فلسفته الخاصة. «الحزن اتقل بكتير من النهنهة بصوت عالي/ والشجن عنده فرصة كبيرة للتعبير/ بس احنا نديله الفرصة». من هنا يبنى استنتاجاته المجازية «المشي على شريط الترامواي/ أسهل بكتير من القعاد ع الريح». يصلح المنطق الخاص دوماً لرسم عالم خاص حتى لو لم يكن عالماً منطقياً.
«مافيش مانع من تعليق النجوم من ديلها في عواميد النور/ ودهن الشبابيك بالماورد/ الطقس يسمح بأكتر من كده/ حتى لو كان ضد منطق القصيدة/ والحفلة صباحي»، في مثل هذا العالم المبني بالأفكار، ليس غريباً أن يجد الخوف لنفسه مكاناً في «فكرة مرعبة أكتر من الدنيا اللي بتقع/ والميتين اللي بيقوموا/ وبيخبطوا فيّ وأنا ماشي». ليست مفاجأة أن يكون الحب مرتبكاً وسط كل هذا «بتسألني: إنت إيديك باردة كده ليه؟/ أرتبك... وأقول لها إنّها كده طول الشتا/ جملة تخسّر بنط على طول».
رغم العالم الثري للديوان، إلا أن الوحدة تحتل مكانها حاضرة أو حاضرة غائبة، إنها تبقى في النهاية مصيراً ينتظر دوره بعد «ربع ساعة... وينطفي النور/ وينفرد الوقت بالحسرة/ والرف بالكتاب/ والدخان بالسقف ويبقى ما فيش أهدى من كوباية المية ع الكومدينو/ وشريط الكاسيت ف التسجيل المطفي/ الدوشة الوحيدة.. ف الدماغ اللي ع المخدة».