225 موقعاً كانت ضحيّة الحجب بعدما نشرت مواد «تُضعف الوعي القومي وتنشر الوهن بين صفوف الأمة»! ماذا عن حرية التعبير التي يكفلها الدستور؟
دمشق ـــ علي الحلبي
ما إن وطئ الإعلام الإلكتروني عتبة الإعلام السوري، حتى راحت الجهات المعنيّة تتعامل معه باعتباره لقيطاً. فإذا بوزارة الإعلام ترفض الاعتراف بالمواقع الإلكترونية، وراح القضاء ينظر إليها بعين المراقب الذي لا يملك القدرة على اتخاذ أي قرار حاسم بشأنها. هكذا تركت اليد الطولى في حجب المواقع أو عدمه لأحد فروع الأمن الخاصة بالمعلومات. وهذا الأخير استعان بشركة عالمية هي «بلاتينيوم» التي فتحت فرعاً لها في دمشق عام 1991 وزوَّدت السلطات بأحدث وسائل الحجب والفلترة والمراقبة. ولم تخجل الشركة من تواطئها مع السلطات، بل روّجت ببساطة لشعار «إرضاء الزبون غايتنا»!
من جهتها، أخذت الجهات السورية المعنية، على عاتقها، مهمة التشدّد في مراقبة استخدام شبكة الإنترنت، إضافة إلى منح رخص افتتاح مقاهي الإنترنت بـ«القطّارة». بينما ضربت رقابة مشدّدة وشبه يومية على كل مرتادي هذه المقاهي، من خلال إجبار أصحابها على تسجيل أسماء زبائنهم وكل المعلومات المتعلّقة بهم. وارتفعت هذه الإجراءات الرقابية في المقاهي الواقعة قرب الجامعات وداخلها. كما أصبح ممنوعاً على مرتاد المقهى أن ينتقل من حاسوب إلى آخر من دون إبلاغ صاحب المقهى بذلك.
ولعلّ الضجة الإعلامية حول الرقابة على المواقع الإلكترونية في سوريا بدأت مع حجب موقع «النزاهة» (2007) الذي كان يُعنى بالقضاء السوري والإضاءة على مواقع الخلل والفساد فيه. يومها، رفع صاحب الموقع المحامي عبد الله علي دعوى قضائية كانت علامة فارقة في تاريخ القضاء السوري منذ أربعين عاماً حتى هذا اليوم.
أُقفل «المركز السوري للإعلام ...» بعدما انتقد إغلاق تلفزيون «المشرق»
رفع علي دعواه ضدّ وزارة الاتصالات السورية، ثمّ وسّع دائرة الجهات التي كان يقاضيها لتشمل رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ووزير الدفاع، إضافة إلى مدير مؤسسة الاتصالات في دمشق. وبعد هذا التحدّي الكبير، أوقف عبد الله علي في أحد الفروع الأمنية لأيام عدّة، خرج بعدها ليتنازل عن دعواه، ويعتكف بعيداً في قريته من دون أي تصريح عن الموضوع.
بعد حجب «النزاهة»، كرّت السبحة لتشمل 225 موقعاً، وفق ما جاء في تقرير «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» في تقريره عن «حالة الإعلام والحريات الصحافية في
سوريا 2008ـــ2009». أغلب المواقع المحجوبة كانت مواقع كردية، يليها تلك التابعة للمعارضة السورية، ثمّ مواقع الموالاة اللبنانية، فتلك الإسلامية والتابعة لتنظيم «القاعدة».
وفي الوقت الذي كان فيه «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» يعمل على متابعة موضوع حريات العمل الإعلامي في سوريا، أغلقت السلطات مكتبه في منطقة المزة بالشمع الأحمر في 13 أيلول (سبتمبر) الماضي. وقد أُغلق هذا المكتب فجأةً من دون تبليغ مديره الصحافي، مازن درويش، بأيّ مذكرة قانونيّة. ويؤكّد أحد المتطوّعين الذين عملوا في المركز لـ«الأخبار» «أن المركز مرخص من خارج سوريا، وقد ركّز في عمله على تسليط الضوء على الانتهاكات السورية في حجب المواقع». ويذكر المتطوّع أنّ كلّ العاملين في المركز كانوا يعملون مجاناً، ولم يتقاضوا أي مبالغ مالية، بمن فيهم مدير المركز نفسه. متطوّع آخر ـــــ رفض أيضاً ذكر اسمه ـــــ نفى إمكان أن يكون المركز قد تلقّى أي دعم ماليّ من جهات خارجية معارضة للنظام السوري، بل يؤكد أن علاقاته كانت محصورة بمؤسسات حقوقية عالمية يقتصر عملها على خطوط مشابهة لعمل المركز في سوريا. فيما ينتقد هذا المتطوع قصور خطة العمل في المركز واكتفاءها بإصدار البيانات من دون الدخول في خطوات عملية أكثر فعالية.
وقد بدا واضحاً أنّ إقفال المركز جاء بعد البيان الذي أصدره على خلفيّة إغلاق السلطات السورية مكتب تلفزيون «المشرق» في دمشق (راجع المقال ص 19). إذ ناشد البيان السلطات لتحديد خطوط العمل الإعلامي وإيضاح المحظورات بوضوح، مع التركيز على ترك المجال مفتوحاً للحريات الإعلامية، والعمل على عدم إسكات الأصوات المطالبة بحرية التعبير.
وفي وقت تتنصّل فيه وزارة الإعلام السورية من الإدلاء بأي تصريح مباشر ومفيد بشأن هذه المسألة، ترفض السلطات الأمنية أيضاً مجرد الحديث عن الأمر علناً. وغالباً ما يكتفي الأمن بتبرير إغلاق أي موقع إلكتروني أو حجز حرية أي صحافي، تحت حجة «نشر مواد من شأنها إضعاف الوعي القومي ونشر الوهن بين صفوف الأمة»!
وفي انتظار صدور قانون الإعلام الإلكتروني، الذي وعدت به الجهات السورية المعنية، لا يزال متصفّحو الإنترنت في سوريا يستعينون ببرامج فك التشفير، لتصفّح أكثر المواقع شعبية وشهرة في العالم العربي، والمحجوبة في سوريا مثل «فايسبوك»
و«يوتوب».


اللائحة تطول

«كلنا شركاء» هو أحد المواقع التي تُعدّ مصدراً أساسياً وموثوقاً للأخبار السورية المحلية. عانى الموقع من الحجب طويلاً، إلا أنه عاد ليظهر بعد اتفاق القائمين عليه مع الجهات الأمنية المسؤولة. من جهة أخرى، أثار حجب موقع «سكايز» اللبناني في سوريا ضجة كبيرة، لكنّ الموقع عاد ليعمل بصورة عادية. كذلك غالباً ما يُمنع إدخال بعض الصحف العربية داخل الأراضي السورية. أما السبب فيكون موضوعاً في الصحيفة لا يروق الرقيب السوري، هذا رغم بقاء الموقع الإلكتروني للجريدة فعالاً. فيما اعتُقل منذ أيام المحامي والناشط الحقوقي هيثم المالح بحسب مركز «سكايز»