جان جينيه بعيون عربيّة» هو عنوان التظاهرة التي ينظمها جواد الأسدي في «مسرح بابل»، حتى 20 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي: عروض مسرحيّة وسينمائية وأمسيات تستوحي عوالم أحد أبرز كتّاب القرن العشرين وأكثرهم إثارةً للجدل
ديما شريف
«اكتشفت منذ زمن أنّ الفكر السياسي لجان بول سارتر هو شبه فكر. ما سُمِّي الفكر السارتري لم يوجد أبداً. مواقفه ليست سوى أحكام متسرعة لمفكر يخشى مواجهة قضية أكبر من أشباحه الشخصية». هكذا صار رأي جان جينيه بأحد مُكتشفيه، على خلفيّة موقف سارتر من القضية الفلسطينية عام 1974. وقتها، قرّر الكاتب والمسرحي الفرنسي الابتعاد عن اليسار الذي يمثّله سارتر وبوفوار وأصدقاؤهما ممن كانوا «يوقعون العرائض قرفاً من تصرفات الفلسطينيين في الأراضي المحتلة»، وفق ما أخبر جينيه الطاهر بن جلون في مقابلة مع «لو موند ديبلوماتيك» (تموز/ يوليو 1974).
جان جينيه (1910ــــــ1986) الذي يكرّمه «مسرح بابل» ضمن تظاهرة «جان جينيه بعيون عربيّة» (راجع الكادر)، ولد لأب مجهول، وتخلّت عنه أمّه، فعاش متنقلاً بين دار أيتام من هنا ومأوى من هناك، وصولاً إلى السجن، قبل أن يستقرّ نهائيّاً على هامش العالم. علاقته بصاحب «الوجود والعدم» تعود إلى الأربعينيات. يومها، كان قابعاً في السجن بتهمة السرقة، فكتب «سيّدة الأزهار» وهرّبها لتصل إلى صديق سارتر وبوفوار: إنّه جان كوكتو الذي نشر مقدّمتها في مجلته l’Arbalète، فحلّق جينيه في سماء الشهرة واعتبره هؤلاء «الكبار» شاعراً عظيماً.
بعد خروجه من السجن عام 1944، بدأت صداقته بسارتر الذي كتب عام 1952 «القديس جينيه: ممثلاً وشهيداً» اعتبره نموذج الانسان الوجودي الذي يميز بين الشر والخير تبعاً لأهوائه الشخصية. صاحب «البلكون» (1956) الذي بدأ السرقة صغيراً، أمضى حياته حتى نهاية الحرب العالمية الثانية هارباً من السلطة أو قابعاً وراء القضبان. دخل الإصلاحية في الـ15 حيث اكتشف ميوله المثلية. بعد هربه، تطوع في الجيش وقضى فترةً في سوريا، ثم تنقل بين أوروبا وأفريقيا ممارساً السرقة والدعارة. ولم تنتهِ متاعبه مع القانون سوى في 1948، حين حُكم عليه بالسجن المؤبد بعد إدانته بالسرقة للمرة العاشرة. يومها وقّع 40 مثقفاً، بينهم سارتر وكوكتو، عريضةً بالعفو عنه. هذه المرحلة تناولها في «يوميات سارق» (1949) معتبراً أنّ السرقة مهنة مقدسة وسارداً مغامراته مع المخدرات والدعارة.
صاحب «الخادمتان» وقف من البداية إلى جانب القضايا العادلة، داخل فرنسا وخارجها، وخصوصاً بعد 1966 حين توقف عن الكتابة وانخرط في النضال. ألم ينشئ مع فوكو مرصداً لمراقبة وضع السجون في فرنسا؟ كان ناقداً شرساً لنفاق البرجوازية الفرنسية والسياسة الاستعمارية لبلده. نشط أيضاً على الساحة العالمية والتزم قضية «الفهود السود» في الولايات المتحدة، كما دافع عن مجموعة «بادر ـــــ ماينهوف» الألمانية... وكان مناصراً للقضية الفلسطينية التي خصّها بآخر كتبه «أسير عاشق» (1986).
جان جينيه اختار الهامش موطناً، وبصق في وجه معاصريه. خياراته الراديكاليّة في مجالات الفكر والسياسة، جعلته مكروهاً لدى بعضهم وأسطورة لدى الآخرين... كتاباته التي أعجبت أندريه جيد بين آخرين، لم ترُقْ فرانسوا مورياك مثلاً الذي كان يعتبره سجين عالم الجريمة والهامش. في 15 نيسان (أبريل) 1986، خرج جاك لانغ وزير الثقافة آنذاك يرثي جينيه قائلاً: «أخذ معه الشمس التي أضاءت الجانب المظلم والكريه من الأشياء». تشبيه كان سيثير حنق صاحب «المحكوم بالإعدام» (1948) الذي أراد أن يُظهر، عبر كتاباته، أنّ ما يعتقده بعضهم مظلماً وكريهاً، إنّما هو ـــــ لأشخاص مثله ـــــ عظيم ومضيء!


اطلبوا البرنامج!

تظاهرة «جان جينيه بعيون عربيّة» التي ينظّمها «مسرح بابل» ضمن احتفالية «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب» تجمع بين العروض المسرحيّة والفنّ التشكيلي والرقص والسينما المستلهمة من يوميّات جينيه ونصوصه.
افتُتح البرنامج بعرض «الخادمتان» لجينيه التي قدّمها جواد الأسدي بنسخته الخاصة، وتكريم الممثّلة رينيه ديك. وفي الثامنة والنصف من مساء اليوم، تُعرض مسرحية «جان جنين ـ سينوغرافيا الموت» لعبد المنعم عمايري. أمّا الممثل ومصمّم الرقص التونسي رضوان المؤدب فسيقدّم عرض «الجسد الآخر» (20 ت1/ أكتوبر ــ س 8:30) المستوحى من «أنشودة حبّ» (1950) الفيلم الوحيد الذي كتبه وأخرجه جينيه. بينما تقدّم المخرجة الفرنسيّة كاترين بوسكوفيتش «المقابلة الأخيرة لجان جينيه» مع الممثلة سوسن بو خالد (18ت1/ س 8:30)، وهي استعادة ممسرحة لمقابلة أعطاها جينيه لنايجل وليامز عام 1985. وفي اليوم نفسه، يقرأ ممثلون لبنانيون من كتاب جينيه «يوميات سارق» (س 7:00). كما تقام طاولة حول «جينيه والقضية الفلسطينية» (19 ت1 ــ س 7:00)، يليها في «المركز الثقافي الفرنسي» عرض فيلم فاسبيندر Querelle (س 8:30). وطوال أيام التظاهرة، يقيم «بابل» معرضاً تشكيلياً جماعياً من وحي عوالم الكاتب بمساهمة روز الحسيني، هيلين كرم، فاطمة الحاج، جبر علوان، رياض نعمة.


حتى 20 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي ـــ «مسرح بابل» (الحمرا/ بيروت) ــــ للاستعلام: 01/744033