اختُتمت أول من أمس الدورة الثالثة من «مهرجان الشرق الأوسط السينمائي» بعدما خطف الجائزة الكبرى فيلم يتناول الحقبة الشيوعيّة في الخمسينيات، فيما خرجت مصر من المهرجان بخُفّي حنين
أبو ظبي ــ زياد عبد الله
ختام الدورة الثالثة من «مهرجان الشرق الأوسط السينمائي» كان من نصيب الماعز! ليس لأنّ فيلم الختام «الرجال الذين يحدقون بالماعز» يستخلص الكوميديا من احتلال العراق، بل لأنّ نجوم الشريط لم يحضروا العرض بدءاً من جورج كلوني وبول ليستر، وصولاً إلى المخرج غرانت هسلوف. وبحركة استعراضية، جلب مدير المهرجان بيتر سكارليت أربع عنزات على الخشبة بعدما وُضعت حول أعناقها شرائط حملت أسماء المشاركين في الفيلم. وقال سكارليت إنّ غياب نجوم الفيلم دفعه إلى القيام بذلك.
خلال أيام المهرجان، صعد سكارليت يومياً على الخشبة وقدّم الأفلام بنفسه، فيما بقي كل من حوله بمثابة كومبارس لا تتجاوز مهمته الترجمة، كما هي حال المبرمجين العرب الذين جاء وجودهم ضمن طاقم المهرجان لضرورات فولكلورية.
توزيع الجوائز مساء السبت استدعى هبوطاً سريعاً في «قصر الإمارات» لنعومي واتس التي جاءت تسلِّم الروسي فاليري تودوروفسكي «جائزة اللؤلؤة السوداء» عن أفضل فيلم روائي طويل (100 ألف دولار). «عشّاق الصرعات» (راجع المقالة أدناه) يعود إلى المرحلة السوفياتية، وتحديداً الخمسينيات مستعيداً ـــ ضمن قالب موسيقي هيمن عليه الجاز ـــ قصّة أصدقاء كانوا يجدون في الثقافة الأميركية شكلاً من أشكال مقاومة الحكم الشيوعي.
المشاركة اللبنانية اقتصرت على الأعمال الوثائقية مع محمد سويد وماهر أبي سمرا وغسان سلهب
هبوط واتس ترافق مع أورلندو بلوم الذي سلّم إيليا سليمان ثاني أهم جائزة، وهي «جائزة اللؤلؤة السوداء» عن أفضل فيلم روائي من الشرق الأوسط، علماً بأنّ «الزمن الباقي» (راجع ص 19) شارك إلى جانب «عشّاق الصرعات» و17 فيلماً آخر في المسابقة الرسميّة التي جاءت منقسمة على ذاتها. هذا الانقسام جعل من الجوائز قضيّة شائكة. حُيّدت الأفلام العربية و«الشرق أوسطية» عن متن الجائزة، وأتيح لها هامش كي تتنافس مع أعمال لا ترقى أصلاً إلى المنافسة. بناءً على ذلك، يحقّ لفيلم إيليا سليمان أن يكون متفوقاً على «الليل الطويل» لحاتم علي و«دواحة» للتونسية رجاء عماري، لكن من أين له التنافس مع الفرنسي «المادة البيضاء» والصيني «المحارب والذئب» وغيرهما من أفلام غير «الشرق أوسطية»؟ هذا التمييز هو عنصر أساسي في سياسة مدير المهرجان!
«لا أحد يعرف شيئاً عن القطط الفارسية» لبهمان غوبادي خرج بجائزتين: الأولى جائزة أفضل ممثل لحامد بهداد، وجائزة الجمهور التي استحدثت هذا العام. بينما تقاسمت جائزة أفضل ممثلة المكسيكيتان أليسيا لاغونا وصونيا كووه عن دورهما في Northless. الشريط يسلّط الضوء على المساعي المتكررة لشاب يحاول عبور الحدود إلى أميركا، وفشله الذي يضعه في قرية حدودية بين غرام امرأتين.
جائزة الإخراج كانت أوسترالية من نصيب غليندين ايفن عن «الجولة الأخيرة»، بينما نالت التركية بيلين إسمير جائزة أفضل فيلم جديد من الشرق الأوسط عن «10 حتى 11» الذي يمضي خلف هوس عجوز ارستقراطي في تجميع كل شيء بهدف توثيق حياته، وانعكاس ذلك على حياة بوّاب عمارته.
جائزة أفضل فيلم قصير من الشرق الأوسط كانت لبنانية من نصيب فيلم «طرابلس عالهدا» لرانية عطية ودانييل غارسيا. عدا هذا الفيلم، اقتصرت المشاركة اللبنانية في المهرجان على الأعمال الوثائقية عبر شريط محمد سويد المميز «ما هتفتُ لغيرها» الذي يتنقل بين بيروت ودبي وهانوي في تعقّب لأحلام وخيارات ثورية اصطدمت بواقع مغاير. بينما قدّم ماهر أبي سمرا مقتطفات من شريطه «كنّا شيوعيين» في استجابة لإصرار إدارة المهرجان على عرضه، وإن بنسخة أولية، لكونه مساهماً في تمويله، إضافة إلى فيلم غسان سلهب الجديد «1958» الذي يمتزج فيه الشخصي بالتاريخي. ينطلق صاحب «أشباح بيروت» من ولادته في السنغال عام 1958 بالتزامن مع أحداث وقعت في دكار... ليتناول أيضاً أحداثاً شهدتها بيروت وصيدا في تلك المرحلة. وقد شارك في المسابقة الوثائقية 15 فيلماً، بينها جديد المصرية تهاني راشد «جيران» الذي ينبش ماضي «غاردن سيتي» وحاضرها بوصفها بؤرة تتكاثف فيها المتغيرات التي طرأت على المجتمع المصري.
إلا أنّ جائزة أفضل فيلم وثائقي كانت من نصيب «غاندي الحدود: بادشاه خان، شعلة من أجل السلام» لتي. سي ماكلوهان. يتناول العمل حياة المناضل البشتوني بادشاه خان الذي أصبح النظير الباكستاني للمهاتما غاندي. فيلم «زرزيس» للتونسي محمد زرن استحق بجدارة جائزة أفضل إخراج لفيلم وثائقي من الشرق الأوسط. يقدم العمل رجلاً يتحول محله لبيع الخرضوات إلى نقطة التقاء لأفكار سياسية واجتماعية ومساحة لتدوال قصص تختزل مرحلة من تاريخ تونس. أسدل الستار من دون أن يخطر ببال أحد أن يسأل: ما هي سينما الشرق الأوسط؟ ماذا يبقى أن نقول؟ وداعاً أبو ظبي... أهلاً دبي!


الخاسر الأكبر

مصر كانت الخاسر الأكبر في مهرجان أبو ظبي. لم تحظ الأعمال الروائية الطويلة «المسافر» لأحمد ماهر و«هليوبوليس» للمصري أحمد العبدالله بأي جائزة. كذلك فإن فيلم أسامة فوزي «بالألوان الطبيعية» انسحب من المهرجان في اللحظة الأخيرة لأسباب تتعلّق بعدم جهوزية الشريط للعرض، وهو الأمر الذي كان يعرفه منظّمو المهرجان منذ البداية.
والخيبة المصرية نفسها تشمل المشاركة الوثائقية أيضاً، من خلال «جيران» لتهاني راشد و«كاريوكا» لنبيهة لطفي الذي رصد فصولاً من مسيرة تحيّة كاريوكا. إلا أنّ ليلة الختام كانت مصرية على صعيد النجوم: هكذا، تتابع كل من محمود حميدة وسوسن بدر وخالد أبو النجا على تسليم الجوائز في ظل غياب تام للنجوم السوريين الذين كانوا نجوم الافتتاح.