خليل صويلح«ليكن جسدي جسراً تعبر عليه السينما السورية»، بهذه العبارة تستعيد الممثلة السورية المعتزلة «إغراء» (نهاد علاء الدين) صورتها لدى مشاهد اليوم. هذا «مانشيت» قديم أطلقته في أحد حواراتها الصحافية، وها هي تكرره في شريط «إغراء تتكلم» الذي بثته قناة «المشرق» أخيراً. محاورتها كندة علوش لم تظهر على الشاشة، اكتفت بصوتها فقط، فيما كانت إغراء تسرد سيرتها على هواها. لن نلتقي إغراء التي نعرفها في «الفهد» (1972). الفيلم الذي أخرجه نبيل المالح، وحصد شهرة كبيرة حينذاك، لعله أحد علامات السينما السورية، وشاهد على حقبة لن تتكرر. في هذا الشريط، ظهرت إغراء في لقطة عارية، لكن الرقابة التي سمحت بعرض الشريط كما هو، عادت بعد سنوات لتمحو اللقطة من الذاكرة السينمائية إلى الأبد. خلال الحوار، ستفقد إغراء بوصلتها مراراً، لتشن حملةً على المؤسسة العامة للسينما التي «استعملت أسلحة الدمار الشامل ضد سينما القطاع الخاص» متجاهلة أن رصيد «الفهد» انتهى على يديها هي، في أفلام خفيفة أنتجتها بنفسها، لم ترق إلى مستوى الأفلام التي شاركت ببطولتها في سينما القطاع العام.
عمر أميرالاي يستعدّ لشريط وثائقي يتناول سيرة نهاد علاء الدين
دافعت إغراء عن ثلاثة عناصر في أفلامها هي «البوسة» و«المايوه» و«الرقص الشرقي»، معتبرة أنّها أساس نجاح أي فيلم في شباك التذاكر. لكنها تجاهلت كيفية توظيف هذه العناصر في السينما، وخصوصاً أنها قارنت مسيرتها بمسيرة بريجيت باردو في السينما الفرنسية، وجين فوندا في السينما الأميركية. لن نصادر حقها في الدفاع عن نفسها، لكنها افتقدت السيناريو الذي ينقذ مفهومها لسينما شباك التذاكر. ما أنجزته من أفلام لاحقة، لا يحقق شروط السينما التجارية نفسها، في سيناريوهات ملفّقة غالباً. ثم إنها نسيت أنّ سطوة جسدها في أفلام السبعينيات، لا تصلح لأفلام التسعينيات. الماكياج الفاقع، والصوت الذكوري، والاتهامات العمومية، ألغت شيئاً من ألق هذه الممثلة في ذاكرة الجمهور السوري. ذكّرتنا بسطوة وصلابة معلمتها تحية كاريوكا التي علّمتها فن الرقص الشرقي. بدت كندة علوش مرتبكة في مواجهة نجمة الأمس. وكان حرياً أن تنبش ما هو ذاتي وسيروي في حياة إغراء وتتوقف عند محطات أساسية في التجربة بسجال يوازي غضب الممثلة مما آلت إليه السينما السورية. لكن الحوار ظل من طرفٍ واحد، في معظم مفاصله، كأن ضربة المعلم للقناة، هي موافقة إغراء في الظهور على الشاشة. أما ما بقي فمجرد تفاصيل. غضب إغراء من تجاهل المؤسسة العامة للسينما لها مشروع. هي ممثلة لها تاريخ، أقله في الأفلام التي أنتجتها المؤسسة، وشاركت في بطولتها مثل «المغامرة» و«راقصة على الجراح» و«الفهد». ومن الإنصاف تكريمها في «مهرجان دمشق السينمائي» بوصفها واحدة من رواد السينما السورية. من جهة أخرى، يعمل المخرج عمر أميرلاي على سيرة إغراء في السينما لتكون مشروع شريط وثائقي مقبل، سيعوّض ما غاب عن «إغراء تتكلم».