لماذا منعت «دائرة المطبوعات والنشر» أخيراً كتاب «يساريّ أردنيّ على جبهتين» (دار الفارابي ــ 2009) للكاتب السجاليّ ناهض حتّر؟
عمان ـــ أحمد الزعتري
يدفع تعامل المؤسسات الرسميّة الأردنيّة مع حريّة التعبير، إلى التساؤل عن مدى ذكاء الأنظمة العربيّة. وتساعدنا على الإجابة عن سؤال يؤرّقنا، هو: كيف تنمو الأفكار المغايرة في ثقافتنا كالفطر المسموم؟ هكذا يُقصى كل ما هو مختلف عن الخطاب الرسمي، ولا يعطى حقّ الوجود والسجال. فهل النظام وحده يمتلك الحقيقة؟
نستعيد هذه الأسئلة كل مرة تمنع فيها «دائرة المطبوعات والنشر» الأردنيّة كتاباً. لكن هذه المرة، يبدو الأمر مختلفاً: فآخر الكتب المصادرة هو «يساريّ أردنيّ على جبهتين» (دار الفارابي ــــ 2009) للكاتب اليساري والسجاليّ ناهض حتّر. يتضمّن الكتاب أطروحات فكريّة عن «كيفيّة التوصّل لأداة فكريّة لتحليل الواقع في المشرق العربي» بحسب حتّر الذي يناقش مشكلات اليسار العربيّ في الأردن ولبنان وسوريا وفلسطين، وقضية فلسطينيي الأردن، ويدرس حضور الإخوان المسلمين في عهد الملك عبد الله، ويعيد نشر مقالات عن الأوضاع العربيّة. وهي قضايا طالما أثارت السجال من مقال حتّر الأسبوعيّ في «الأخبار»، وهو لا يقسم قرّاء الجريدة إلى تيّارين متواجهين. لكنّ مناقشة الكاتب شيء، ومصادرته شيء آخر. فقد أحيل «يساريّ أردنيّ...» على القضاء بحجّة أنّ المؤلف «أدخل نسخاً من الكتاب إلى الأردن من دون إيداعها في دائرة المطبوعات والنشر، ما يعدّ مخالفة لقانون المطبوعات والنشر» وفق مدير الدائرة نبيل المومني. أضف إلى ذلك أنّ «الدائرة اطلعت على الكتاب ووجدت فيه مخالفة لأحكام القانون». لكنّ المومني رفض الخوض في النقاط التي اعتُبرت مخالفة للقانون.

المثقفون وقفوا مع الكاتب رغم اختلاف بعضهم مع طروحاته
أما حتّر فيرجّح أنّ المنع جاء بسبب «المملكة الأردنيّة الرابعة: التجربة والأسئلة الكبرى». وهو فصل في الكتاب يتناول تجربة العقد الأول من عهد الملك عبد الله الثاني. يعتبر حتّر أنّ هذا الفصل عبارة عن «استنتاجات رقمية ومعطيات لا يمكن إنكارها» محللاً هذه المعطيات من النواحي الاقتصاديّة والإنتاجيّة. من هذه المعطيات قضية الفقر الذي كان في عام 1999 مسألة «هامشيّة جداً»، وصار اليوم مشكلة حقيقية بعدما تجاوز عدد الفقراء في الأردن المليون بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالميّة لعام 2009.
الأمر الوحيد الذي يثير الطمأنينة في هذه القضيّة، هو ردود فعل المثقفين على قضية المنع. المفكّر اليساريّ موفق محادين «لا يتّفق» مع حتّر، لأنّه «وطنيّ من جهة، وإقليميّ من جهة أخرى، وطائفيّ من جهة ثالثة»... إلا أنّه يقف إلى جانب حرية التعبير: «أنا ضد منع أي كتاب في الدنيا». أما رئيس تحرير جريدة «الغد» موسى برهومة، فانتقد قرار المنع لأنه «سلوك عبثيّ ينتمي إلى شريعة القرون الوسطى»، رغم أنّه يختلف مع بعض طروحات هذا الكاتب الأردني الإشكالي.
vفي الواقع، لطالما أثار ناهض حتّر الجدل من خلال مواقفه التي يعتبرها بعضهم «عنصريّة» ضدّ الفلسطينيين، فيما يراها البعض الآخر إقليميّة، ضد التوطين، إضافة إلى انتقاده رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله. وقد اعتبر أنّ قرار منع كتابه «صدر عن مكان ما في النظام». مشيراً إلى إقالته من جريدة «العرب اليوم» ومن «البنك الأهلي الأردنيّ» كمسؤول إعلامي وثقافي العام الماضي.
لا يتفق كثير من المثقفين الأردنيين مع أطروحات ناهض حتّر، لكنّهم يجمعون على الأقل على ضرورة حفظ حقّ كل شخص في إبداء رأيه. وبالتالي، حفظ حق الآخرين بالمساجلة والرد. «هذه المساجلة من شأنها رفع الحجاب عن أفكار تنمو سراً على نحو مريب في ثقافتنا لأننا لسنا على استعداد لسماعها»، بتعبير أحد الذين عبّروا عن امتعاضهم من محاصرة الكتاب.
لكن مع حفظ حق حرية التعبير، يبقى السؤال: ما هو مقياس الكاتب نفسه لحريته؟ وخصوصاً لدى إثارة قضايا إشكالية كالتي يطرحها حتّر في كتابه. علماً بأنّ الكاتب نفسه أعاد تحرير بعض مقالات كتابه للتخفيف من حدّة سجالية.