إن كان الزمن هو المعيار الأوحد لتقييم مدى جودة الأدب (والفن)، كم سيتبقّى فعلياً من الأدب العربي؟ ولو كان «الألق الجمالي والقوة المعرفيّة والحكمة» هي معايير الأدب العظيم كما يشير الناقد البارز هارولد بلوم، ما عدد الأعمال الأدبيّة التي ستنجو من هذا الغربال؟ ما نجده في «سماء قريبة من بيتنا» (منشورات «ضفاف»/ منشورات «الاختلاف») للسوريّة شهلا العجيلي هو محاولة لكتابة رواية تواكب الأحداث المتفجّرة في سوريا، وإن كان المراقب هنا خارجياً، حيث كانت سوريا بجغرافيّتها هي الأقل حضوراً ضمن متاهة المدن والبلدان التي تعجّ بها الرواية. تبدو الأخيرة بمثابة «تسجيل موقف» حيال ما يحدث، كأنّ المطلوب من الفنّ تسجيل موقف عابر ينتهي تأثيره بانتهاء فعل التلقّي. سنلمح في الرواية تنوّعاً نسبياً في المواقف السياسية، وتنوّعاً أكبر في توصيف الأطراف المتطرفة المتصارعة، بخاصة «داعش». ربما كان هذا هو السبب لوصول الرواية إلى اللائحة القصيرة. سوريا وداعش هما الموضة الحاليّة، والحديث عن «صراع الهويّات» هو الموضوع الأمثل الذي يحقّق انتشاراً وقراءة، بصرف النظر عن كونه موقّتاً ومرتبطاً بحدث سيتغير قريباً لتتغير معه البوصلة النقدية والكتابية. أما البحث عن أفكار أو شخصيات أو جماليّات، فسيكون عبثياً تحت وطأة الوعظ الذي يمارسه الجميع في هذه الرواية، ابتداءً بالكاتبة وانتهاءً بها، إذ لم تكن الشخوص أكثر من قناع هشّ لخالقتها.
هذه الرواية مثال نموذجي عن الأعمال التي يحبّها النقّاد، أو بالأحرى مثال عن الأعمال التي يجد فيها النقّاد ما يرغبون في تقلّباتهم بين المدارس النقديّة العابرة. جاء «الالتزام» فخّفض سقف الفنّ، ثم بعد- الكولونياليّة، ثم بعد- الحداثيّة، والنسويّة، وتصارع الهويات، فانخفض السقف إلى حد خطير، ثم جاءت الجوائز لتكرّس أدباً ضمن هذا السقف الواطئ، فأصبحت الرواية مهنة الجميع. أما الحديث عن الجماليّات كشرطٍ جوهريّ في الفن، فأمسى «مدرسة قديمة» لا تليق بتطوّرات العصر.
«سماء قريبة من بيتنا» ـ منشورات «ضفاف»/ «الاختلاف».