حيفا ــ غالب كيوانفيلم «عجمي» لمخرجَيه الفلسطيني اسكندر قبطي، والإسرائيلي يارون شاني (راجع «الأخبار» عدد ٢٨ أيلول/ سبتمبر) متقن من حيث السيناريو والتصوير والمونتاج والإخراج. لكن، مشاهد قليلة ويظهر أمامك الوجه الزائف لخطاب إسرائيلي يروّج لنفسه على أنه متساوٍ مع الضحية. حصد «عجمي» جوائز عدة، من أبرزها جائزة أفضل فيلم إسرائيلي، ما يعني أنّه سيمثّل إسرائيل في جوائز «الأوسكار».
العجمي والجبلية، هما الحيّان العربيان الأخيران في يافا. يواجه سكانهما مخطّطات التهويد الشرسة. أمّا في الفيلم، فتظهر الشخصيات العربية مثيرة للاشمئزاز. على سبيل المثال، يكفي مشهد قتل رجل يهودي طعناً بالسكاكين ـــــ بعد اعتراضه على كيفية تربية جيرانه «العرب الهمجيّين» للماشية ـــــ لتوجيه المشاهد الأميركي الساذج والأوروبي المتعاطف.
من جهة أخرى، يصوّر الفيلم شخصيّة شاب فلسطيني من نابلس، على أنّه خائن تؤدّي خيانته إلى هلاك الآخرين. ولا مفرّ من أن تصفعك تلك المعالجة التبسيطيّة، الرخيصة، للشخصيّة الفلسطينيّة التي تتنازل عن القضيّة مقابل لقمة العيش، وتحت وطأة المعاناة الفردية.
اليهودي «أبيض» والعربي «همجي»... وسينما على نمط تارانتينو
كما يصرّ الشريط على عرض ذوي الأبطال العرب على أنَّهم لا يكترثون بما فيه الكفاية لأبنائهم. أو أنهم لا يتأثرون كثيراً، مقارنةً بذوي الجندي اليهودي المفقود، الذين يتألمون لفراق ولدهم. والجندي المأسور في الفيلم يُقتل على يد فلسطينيين، ما يبرّر تصرف أخيه الشرطي بهمجية مع أهالي العجمي.
لا شك في أنّ مخرج الفيلم وكاتبه اسكندر قبطي اليافاواي الأصل وشريكه الإسرائيلي يارون شاني، جلبا قصصاً سينمائية تجمع أهم العناصر المثيرة من المخدّرات والعصابات المتنازعة وعلاقة الحب «غير المشروعة» ـــــ بحسب الفيلم ـــــ بين شابّة مسيحية وشاب مسلم والصراع العربي ـــــ الإسرائيلي... استطاع الإخراج أن يمزج سينما حديثة على نمط تارانتينو، مع دراما محبوكة جيداً. لكن في نهاية المطاف، أخفق الفيلم في عرض الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي بصورة وفيّة.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا أغفل الشريط الشخصيات العربية التي تتصدّى لمخططات التهويد؟ ألا يتعرض أهل المدينة للملاحقة القانونية، من أجل خفض صوت الأذان وقرع أجراس الكنيسة لأنهما يزعجان سكان مبنى «أندروميدا» الفخم؟ ماذا عن اعتداء قوات الشرطة الإسرائيليّة على المواطنين العزّل؟ ماذا عن تهويد المدينة وتحويلها إلى «تل أبيب البيضاء» التي يقطن فيها أغنياء اليهود... هناك، بمحاذاة البحر، في أجمل رقعة من شاطئ فلسطين؟