Ceci n'est pas la Suisse عنوان معرض التشكيلي اللبناني الذي تقيمه صالة «روز عيسى» في لندن. الحرب، كالعادة، غائبة حاضرة في الأعمال الجديدة
نوال العلي
Ceci n'est pas la Suisse أو «هذه ليست سويسرا»، هو عنوان معرض جديد لأيمن بعلبكي تستضيفه العاصمة البريطانيّة حاليّاً. عنوان يستبطن السخرية بقدر ما يناصب العداء، ولن يكون عابراً في فهم مفردات الفنان البصريّة هذه المرّة. القصة تعود إلى 1928، حين رسم ماغريت «خيانة الصور». كان العمل يصوّر غليوناً كُتبت تحته عبارة باتت اسماً متداولاً للوحة «هذا ليس غليوناً». في 1983، أصدر فوكو كتاباً بالعنوان نفسه، يناقش اللوحة إلى جانب أعمال أخرى لماغريت. تضم المجموعة الجديدة لبعلبكي 17 لوحة معروضة في صالة «روز عيسى» اللندنية. بهذه التدميرات الهائلة في بنية المكان ـــــ البطل في شغل بعلبكي، وبصبغة واحدة لألوان دخانية محاطة بسماوات ليست زرقاء، وهياكل عمارات متفحّمة ومبقورة، نرى أنّ الفنان ما زال مشدوداً إلى تيمته الأثيرة: الحرب. سنلجأ إلى جزء يسير من تأويلات فوكو لماغريت، لنبعد شبح القراءة الجاهزة ونسمح باستبعاد الموضوع لمصلحة التقنية، وخصوصاً أنّ المواضيع المطروقة كثيراً تغدو منطقة خطرة في الفن إن لم تأت بجديد. تُظهر لوحة «نقطة تفتيش» عجلتي سيارة في عمل أقرب إلى صفة الأفيش أو البوستر. يوحي بذلك الخط البراق المكتوبة به عبارة Checkpoint، والمضاء بأبيض فضي يميل إلى الزرقة مثل نور «النيون». أمّا الخلفية فحقل ملبّد بالزهور. تبدو العجلتان كأنهما تدوران بشدّة في مكانيهما بفضل شظايا لونية سوداء تثير زوبعة حولهما على نحو يوحي بالحركة. أهمية الخط في اللوحة لا تقل عن العناصر

اللجوء إلى الجزء الأصغر تعبيراً عن الكل

التشكيليّة الأخرى. تعامل معها الفنان باعتبارها الجزء الأساسي الذي يعطي العمل صبغة جديدة. وهنا نعود للوحة ماغريت. فقد ظهر فيها الخطّ، ليصير جزءاً ناطقاً عن مضمون لا تفصح عنه الصورة، وبذلك نقض بنية اللوحة الكلاسيكية التي لم يكن فيها مكانٌ للخطّ. أمّا نوع الخط الذي يتناقض مع مضمونه، فهو حيلة بصريّة تنقض صرامة المضمون. شكل الحروف الذي يستخدم على آرمات الملاهي الليلية ببهرجة، يهدم جهامة نقطة التفتيش ويسخر منها. ووضع النقطة في حقل من الزهور يجعلها بلا قيمة، أو بقيمة تهتك الحياة التي تحدث من حولها. الإطارات! هذه نقطة عبور مستعادة من الذاكرة. أليس من الذكاء فعلاً اللجوء إلى الجزء الأصغر للتعبير عن الكل؟ عجلتا السيارة تعبير بسيط وكاف ينوب عن تعقيدات الحرب الكبرى، بدلاً من اللجوء إلى التنميطات المعتادة في هذه المواضيع. في الحقيقة، الفزع الذي يتسلّل من اللوحة، يوحي به الجزء الغائب منها لا الظاهر، لأن كل الحرب، الغائب حاضر بما يحدثه غيابه من تصوّرات مفزعة يستدعيها المتلقي أو يتخيلها. لنر إلى لوحة «القنّاص» التي تجسد مبنى «هوليداي إن». عنوان اللوحة هو الغائب عنها. مرة أخرى الغياب عامل حضور قوي في العمل. تُظهر اللوحة الفندق منتهكاً ومقتنصاً ومشبوحاً في الفراغ مثل جثة. وبالعودة إلى العنوان العريض للأعمال، ربما أخفق بعلبكي في الوصول إلى اللبس الفني الذي حققه ماغريت حين استعان بتلك العبارة النافية لما هو موجود. إن كان ماغريت قد رسم غليوناً، فقد جعل مسألة التمثيل البصري موضع نقاش. في حالة بعلبكي، تبدو المسألة أبسط: لبنان ليس سويسرا العرب كما يوصف. لقد كان لأكثر من 30 عاماً مكاناً لا يصلح لطفولة أجيال متتالية بينها جيل بعلبكي (1975). وهنا نذكر أنّ صالة «روز عيسى» عرضت منذ فترة أعمالاً لجان مارك نحّاس. ورغم تباعد الزمن بين جيل الفنانين، كان محور أعمالهما نفسه. وإلى جانب الحرب، يجمع بين الاثنين ما قاله الشاعر ريلكه من ضرورة أن يلعب الفنان في مكان الطفولة، الفردوس المفقود، لسببين: تقادم الوقت واجتياح الحرب. في هذه الحالة، لعب الفنان بالطفولة يشبه اللعب بالنار. فقد تكون الحال فعلاً أنّ الأعمال الفنيّة هي الأشدّ امتناعاً عن التعبير عن كل شيء. وليست الحرب بالأمر الذي يسهل رسمه، لكنها من الأمور «غير القابلة لأن تؤخذ كلّها، أو أن تقال كما يراد إيهامنا بذلك». ريلكه يتكلم مرة أخرى.


حتى 12 تشرين الثاني (نوفمبر) ـــــ «صالة روز عيسى»، www.roseissa.com لندن: +44-207- 6027700