لم يكن أداء الوسائل الإعلامية اللبنانية خلال الانتخابات النيابيّة مهنياً. هذا ما خلصت إليه دراسة «المؤسسة اللبنانية للرصد الإعلامي» بعد عمل استمرّ خمسة أشهر
ليال حداد
«التجربة الإعلامية... تنذكر وما تنعاد» قال أحد المشاركين في عملية رصد أداء وسائل الإعلام اللبنانية خلال الشهر الذي سبق الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان. قد يكون هذا التعليق الأكثر تعبيراً عمّا خلصت إليه «دراسة التغطية الإعلامية للانتخابات التشريعية في لبنان ـــــ حزيران 2009»، التي أعدّتها جمعية «مهارات»، وأعلنت نتائجها في مؤتمر عُقد أمس في فندق «ميريديان ـــــ كومودور» (الحمرا ـــــ بيروت) بحضور وزير الداخلية زياد بارود، وحسان بلحة ممثلاً وزير الإعلام طارق متري.
حاولت الدراسة تحديد معايير علمية دقيقة في عملية الرصد، نائيةً عن النظريات والملاحظات الشخصية والاستنسابية التي تُميّز غالباً التقارير والدراسات المشابهة. هكذا، اختارت الدراسة عيّنة مؤلفة من سبعة تلفزيونات هي «تلفزيون لبنان» وLBC وOTV وMtv و«المنار»، و«المستقبل»، و«الجديد». كما رصدت إذاعتَين هما «صوت الغد»، و«صوت لبنان»، وأربع صحف هي «الأخبار»، و«السفير»، و«النهار»، و«المستقبل». أما عملية الرصد فتركّزت على معيارَين هما الكمية التي يجري وفقها قياس مساحات التغطية الانتخابية المخصصة لكل طرف، ثمّ تُصنَّف وفقاً لنوعها: فهي إما إيجابية، أو محايدة أو سلبيّة.
هل المشكلة في قانون الانتخابات أم في قانون الرخص الإعلامية؟
ولعلّ معايير التقويم المعتمدة مثّلت أحد العناصر التي جعلت الدراسة تفقد دقّتها بطريقة لم تعكس حقيقة الأداء الانتخابي للإعلام اللبناني، وهو ما تنبّهت إليه الإعلامية في قناة «المستقبل» ديانا مقلّد، وكرّرته إلسي مفرّج من إذاعة «صوت المدى» عن غياب الرصد الدقيق لتعابير الوجه والنبرة الإعلامية اللتين يُذاع بهما الخبر. يمكن مثلاً قراءة خبر في OTV عن زيارة سعد الحريري إلى السعودية بنبرة تؤثّر سلباً في المشاهد.
أما لجهة رصد الصحف المكتوبة، فبدا الأمر أكثر دقّة في الدراسة، وإن كانت الخلاصات تحمل الكثير من علامات الاستفهام. وقد خلصت عملية مراقبة الصحف إلى أنّ صحيفَتَي «السفير» و«النهار» كانتا الأكثر حياديّةً، فيما كانت «المستقبل» و«الأخبار» بعيدَتَين عن الحيادية، بسبب «التزامهما مواقف سياسية معيّنة». وبغضّ النظر عن دقّة هذا التصنيف، فإنّ تعريف الدراسة لهذه الصحف الأربع حمل مجموعة من المغالطات، أبرزها تعريف «الأخبار» بشكل غير دقيق إطلاقاً، إذ وصفتها الدراسة بـ«جريدة تعبّر عن نفسها بأنها ليبرالية، وهي مؤيّدة لمشروع المقاومة والتوجّه القومي والإسلامي وبعض قوى 8 آذار، لكنها تحتفظ لنفسها بهامش نقدي واسع».
من جهة أخرى، لم يكن تقسيم الأطراف السياسيّين منطقياً. أدرجت الدراسة لائحة النائب ميشال المرّ في المتن تحت خانة «المستقلّين»، فيما وضعت مرشّحي «الحزب الشيوعي» مع المعارضة رغم أن مرشّحيه خاضوا الانتخابات منفردين في وجه لائحتَي الموالاة والمعارضة.
وانطلاقاً من كل هذه المعايير، استندت الدراسة في خلاصتها العامّة، إلى الفصل السادس من قانون الانتخابات، الذي نصّ على دور الإعلام والإعلاميّين. وطبعاً كانت الملاحظة الأبرز هي عدم التزام وسائل الإعلام بالقانون. وهذا تحديداً ما يفتح آفاقاً واسعة للنقاش: هل المشكلة في قانون الانتخابات أم في القانون الذي وزّع الرخص الإعلامية وفقاً للمحاصصة السياسية والطائفية؟ ولماذا غاب المعيار المعتمد علمياً في رصد الأداء الإعلامي، وهو حصّة الكلام المخصّصة لكلّ مرشّح، بدلاً من اعتماد معيار غير دقيق يشمل التحقيقات والتقارير والخطابات السياسية؟ وهل كان دور الهيئة المشرفة على الانتخابات فعاّلاً حقاً في ضبط أداء الإعلام أم أنّ دورها يحتاج إلى إعادة نظر؟