غداً في الـ«ميوزكهول» برفقة البيانو فقط

الفنّانة الفرنسيّة، من أصل جزائري، تحيي حفلتها البيروتيّة في إطار «معرض الكتاب الفرنكوفوني»، بدعوة من «ألفتريادس» و«كاباريه دو موند». موعد مشوّق مع تجربة تنتمي إلى «أغنية المؤلّف»، وتجمع بين الموسيقى الكلاسيكيّة والتانغو والسالسا. شعرٌ وقدّاس وقليل من الخمر...

بشير صفير
تتخلل كل دورة من «معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت» حفلة لفنان فرنسي. من جاك هيجلان ودِك آنغارن إلى فرانسواز بروت وجان غيدوني وغيرهم، تطول اللائحة وتضاف إليها هذه السنة جولييت نور الدين. تقدّم المغنيّة الفرنسيّة من أصل جزائري، حفلة واحدة مساء غد في الـ«ميوزكهول». الموعد مع جولييت، جاء بدعوة من «ألفتريادس» و«كاباريه دو موند» اللذين يرعيان منذ سنوات هذا النشاط. الحفلة الأخيرة في هذا السياق أحياها الموسيقي والمغني توماس فرسين في أيار (مايو) المنصرم، وسبقتها سلسلة حفلات تراوحت الأسماء الفنية فيها بين مواهب جديدة ورموز مكرَّسة.
لا تنتمي جولييت إلى أي من الفئتين. هي ليست موهبة جديدة، لكنها لم تبلغ بعد مقام التكريس العالمي، على الرغم من مسيرتها الطويلة نسبياً، وجودة إنتاجها الفني (نصاً ولحناً وإعداداً موسيقياً). جولييت نور الدين (مولودة في فرنسا عام 1962)، استهلت نشاطها في الثمانينيات في الحانات حيث كانت تؤدي كلاسيكيات الأغنية الفرنسية. ثمّ بدأت كتابة أعمالها الخاصة، وتولت بنفسها وضع الألحان وتوزيعها عوضاً عن إيلاء هذه المهمة إلى منتج (بمعنى المعِدّ الموسيقي)، كما يفعل معظم المغنّين.
المغنية الشابة التي لفتت الأنظار بجمال صوتها الألتو (أي الصوت الجهور عن النساء)، بقيت مغمورة نسبياً في فرنسا، رغم أنّها نالت جوائز عدة، وغنّت في معظم صالاتها المرموقة، وأصدرت أكثر من أسطوانة خاصة. وكان عليها أن تنتظر حتى عام 2005 لدخول دائرة التكريس. تلك السنة أصدرت جولييت ألبومها الشهير Mutatis Mutandis الذي استُقبل بحفاوة من الجمهور ومن القيّمين على المسابقات الفنية.



مقطع من "a voix basse"









هذا الألبوم ذو العنوان اللاتيني (أي «ما كان يجب أن يتغيَّر، قد تغيَّر» كما وردت ترجمته في كتيِّب الأسطوانة)، أتى لاتينياً في الجانب الموسيقي أيضاً. جالت فيه جولييت على معظم ثقافات أميركا اللاتينية الموسيقية وإيقاعاتها (بوسا نوفا، تانغو، سالسا،...). لكنَّ الأهم من الموسيقى في هذا الألبوم وسواه ـــــ وخصوصاً في ألبومها الأخير
Bijoux & Babioles (2008) ـــــ أن جولييت تكتب كل نصوص



مقطع من "tyrolienne haineuse"









أغانيها تقريباً. هكذا تثبت أنها من أبرز ورثة شعراء الأغنية الفرنسية، مثل جاك بريل وجورج براسنز ولوي فيرّي، وجان فيرا، وغيرهم، من فناني الـchansons à texte، أو الأغنية القصيدة. لا تتخطى نور الدين أياً من هذه الأسماء، لكنها تبقى من شعراء الأغنية الفرنسية المعاصرة المرموقين (نسبةً إلى الانحدار العام في مستوى الأغنية بكل عناصرها).
تحضر السخرية على طريقة جورج براسنز يرافقها الأداء الـ«براسنزيّ» الفريد. وفي أغاني الألم الخام، تقوْلِب جولييت



مقطع من "petite messe solennelle"







صوتها لتلامس جاك بريل. وتركت الأسطورة إيديت بياف الأثر الأوضح في شخصية المغنية. فهي تعوِّل على أسلوب بياف في مخارج الحروف والنبرة طبعاً. لكن جولييت تستخدم هذه «الاستعارات» في محلها (نسبة إلى النص والموسيقى)، وضمن الحدود التي لا تزعج المستمع، تاركةً المساحة الأكبر لنبرتها الطبيعية.
من المؤكَّد أن حفلة الغد ستتمحور حول الألبوم الأخير، وهو بالمناسبة عملٌ جيد، متماسك ومتنوِّع بين الفولك الفرنسي وقليلٌ من الروك والشرقي (الهندي). ولمَ لا، بعض الـ«هيب هوب» كجزء من

تستحضر سخرية براسنز، والألم الخام على طريقة جاك بريل، ولمحات صوتيّة من أسطورة بياف
أغنية عن نبذ الكراهية بين البشر (Tyrolienne Haineuse). الأغنية نفسها تتضمن لحن «نشيد للفرح» من السيمفونية التاسعة لبيتهوفن كونه رمز التآخي المطلق في الموسيقى. موسيقياً أيضاً، تعتمد جولييت أسلوباً بسيطاً في التوزيع، وتبرع حقاً في اختيار الآلات، وبعض المؤثرات الصوتية، خدمة لشخصية الأغنية لحناً وشعراً.
في Bijoux & Babioles، تعود جولييت مرة أخرى إلى علاقتها بالثقافة اللاتينية، فتستعيد أغنية بالإسبانية من الريبرتوار الشعبي البيروفي. كما تؤكد أيضاً علاقتها بالموسيقى الكلاسيكية ـــــ وهي عازفة بيانو مكتملة ـــــ فتكتب أغنية Petite Messe Solennelle (قدّاس احتفالي صغير) وهو عنوان عمل ديني للمؤلف الإيطالي من القرن التاسع عشر روسيني (اشتهر بفنّ الأوبرا والعمل المذكور غير معروف نسبة إلى روائعه الرائجة). لكن جولييت تحوّل القداس إلى احتفاءٍ بالخمرة، في نص هو أجمل ما تضمّه الأسطوانة. أما النصوص الأخرى، ففيها الحزين والخرافي والساخر والفكاهي الذكي والعاطفي الأليم والعبثي، كتبت الفنانة معظمها (9 من 11) كاشفةً عن إمكاناتها الأدبيّة، ومعترفةً بعلاقتها مع المطالعة في الأغنية الأولىA Voix Basse. وتشتمل الأسطوانة على أغنية تهكّم من الفن الهابط، يعكس أداء الفنّانة لها ثقتها العالية بنفسها وبقدراتها الموسيقية والصوتية من جهة، ومعرفة واسعة بالتجارب الفنية المعاصرة (الفرنسية خصوصاً).
كل الحديث عن الموسيقى عند جولييت سيكون منقوصاً في حفلة الغد، إذ تطل الفنانة وحيدة مع آلة بيانو. الغنى لناحية النص واللحن تحصيل حاصل، لكنّ بعض التوزيعات الموسيقية لا يمكن اختزالها بآلة واحدة من دون خسارة.


9:00 مساء غد ــ «ميوزكهول» (بيروت) ـــ للاستعلام: 03/807555