عازف الساكسوفون المخضرم يحلّ ضيفاً على العاصمة اللبنانية لتقديم عددٍ من الأمسيات، مع موسيقيين أجانب ومحليّين، بينهم زياد الرحباني
بشير صفير
إلى جانب ما يقدّمه لنا «ليبان جاز» من أمسيات جاز (بعضها جيد وبعضها أقل جودة، وآخرها كان جيداً جداً) وبعيداً عن أجواء «مهرجان الجاز في بيروت» (الذي يجب إعادة النظر في برمجته وكيفية تظهيره)، بدأت تنشط في بيروت حركة أمسيات جاز جديدة. إنها حركة بديلة إذا صحّ التعبير، «أبطالها» النوادي المتخصصة. أحد هذه النوادي، وهو «جاز لاونج»، دعا منذ أسبوع عازف الساكسوفون المخضرم تشارلز دايفِس (1933) إلى بيروت لتقديم عددٍ من الأمسيات، مع مجموعة من الموسيقيين المحليّين والأجانب، إضافة إلى مشاركة لزياد الرحباني في بعض هذه المواعيد (آخرها هذا المساء في «جاز لاونج»). ذروة هذه الزيارة للعازف «الختيار» ستستضيفها الجامعة الأميركية في بيروت (أسمبلي



مقطع من "alticity"









هول) الثلاثاء المقبل. إذ سيعزف دايفِس (تينور ساكسوفون) مع فرقة كبيرة (بيغ باند) تشكلت حوله للمناسبة، من عشرة موسيقيين. وهم من لبنان: زياد الرحباني (بيانو)، آفو توتونجيان (ألتو ساكسوفون)، نضال أبي سمرا (تينور وباريتون ساكسوفون)، سامر زغير (درامز)، أندريه سوغون (باص) ــــ من سوريا: باسل رجوب (تينور ساكسوفون)، نزار عمران (ترومبت) وعامر حمّور (غيتار) ــــ إضافة إلى أمادِس دونكل (سويسرا/ ترومبون)، ييريفاند مرغريان (أرمينيا/ ترومبت).



مقطع من "the strootch"









إنها الزيارة الثانية لتشارلز دايفِس إلى بيروت. إذ سبق أن زارها منذ حوالى تسع سنوات. يومها حلّ ضيفاً عازفاً في «بلو نوت» عندما كان هذا النادي لا يزال ناشطاً في مجال تنظيم حفلات لموسيقيين من الخارج. دايفِس لا يملك الشعبية العالمية التي يتمتع بها زملاؤه في المهنة عموماً، لكنه لا يقل خبرة وقيمة عن معظمهم. فهو من الأسماء التي عملت في الظلّ. إذ عزف (في الحفلات أو التسجيلات) إلى جانب أساطير القرن الماضي، مثل جون كولتراين وكاني دورهام وأحمد جمال وفريدي هابرد وخصوصاً المغنيتَيْن دينا واشنطن وبيلي هوليداي. رافق دايفِس مراحل الجاز أكثر من نصف قرن، لكنه حافظ على «كلاسيكيته» إلى حدٍ ما، بمعنى أنه بقيَ على هامش التيارات التي اعتبرها بعضهم منحرفة عن جوهر الجاز والبعض الآخر ضرورة لا مفرّ منها (الجاز الحرّ، الفيوجن، الجاز التجريبي،...). وإضافة إلى مساهماته العزفية، أصدر تشارلز دايفِس أسطوانات عدة خاصة حوَت رؤيته لبعض الكلاسيكيات ومؤلفات موقّعة باسمه، آخرها حمل عنوان Blue Gardenia. في العزف الحي، يطمئن الفنان المخضرم الجمهور بحضوره وبشخصيته الواثقة، لكنه في الوقت عينه لا يعتبر نفسه «رأس حربة» في الفرقة التي يعزف معها. وهذه الميزة لم تغب في إطلالته مع

عزف إلى جانب أساطير القرن العشرين
الفرقة في بيروت. هو يمارس دوره في العزف الجَماعي الأساسي كما في الصولوهات المرتجلة، مقدماً مساهمةً متساوية مع الباقين (في الشكل) ولو أن لمسته تبقى خاصة لما له من طول باع في كلاسيكيات قديمة ما زال «يقبل» بتواضع، على مقاربتها من جديد. جمله في الارتجال تعكس حالة رجلٍ سبعيني، لكن مجاراته لعمره، إذا صح القول، ونضج رؤيته إلى الموسيقى، يحيلانه إلى تكثيف جمله باتجاه ما قلّ ودلّ، بغية الحصول على قدْر قليل من الجمال، بـ«عبارات نغمية» مختصرة وذي تأثير كبير. لنقُل إنّه بات مينيمالياً بالمعنى غير الحداثوي التجريبي للعبارة، كما تستعمل في الوصف الموسيقي عموماً.
أما بالنسبة إلى التعاون مع زياد الرحباني الذي له ما له في التجربة الموسيقية (والجاز ليس سوى جزء منها)، فيمكن القول إن الرجلَيْن قد يتفاهمان، وهذه هي الحال (استناداً إلى الحفلات التي قدماها في الأيام الأخيرة). لكن هذا التفاهم لن يتخطى حدوداً ما. بمعنى أن المسألة لن تبلغ تبادل الخبرات. العنصر الفني الأهم عند كلّ منهما (أي الجذر الثقافي الموسيقي وتأثراته) غير قابل للانتقال في هذا الاتجاه أو ذاك. وتجدر الإشارة إلى أن تشارلز دايفِس يختتم زيارته إلى بيروت بأمسيتَيْن (الخميس والجمعة المقبلَيْن)، مع الفرقة المذكورة أعلاه، في «أولمبيا» (كسليك).


8:30 مساء اليوم ــــ «جاز لاونج» (عين المريسة/ بيروت). للاستعلام: 01/367299