الدعوة إلى انسحاب العرب من «مهرجان تورنتو» أثارت ردود فعل مختلفة، معظمها يدافع عن بقاء السينمائيين السبعة، بالتناغم مع «حملة المقاطعة» PACBI و«إعلان تورنتو»
بيار أبي صعب
عندما نكتب في مسائل دقيقة وحسّاسة (كما فعلنا أوّل من أمس، إذ طالبنا السينمائيين العرب المشاركين في «مهرجان تورنتو الدولي» بالانسحاب، احتجاجاً على احتفاء المهرجان السينمائي البارز بمدينة تل أبيب، ضمن تظاهرة «من مدينة إلى مدينة»)، لا نفعل غالباً سوى التعبير عن وجهة نظر من شأنها أن تفتح النقاش أو تحرّكه. أي إننا لا نشعر بأننا نملك الرأي الفصل، أو سلطة تخوّلنا تقديم الفتاوى في ما ينبغي فعله أو عدم فعله... كذلك لا نسمح لنفسنا بإعطاء دروس في الوطنيّة، ولا نملك حق المزايدة على وطنيّة أي إنسان، فكيف بالأحرى حين يتعلّق الأمر بفنانين مثل إيليا سليمان أو يسري نصر الله؟ والكلام ينطبق طبعاً على رفاقهما المشاركين ابتداءً من الغد في المهرجان الكندي المذكور: ديما الحرّ وأحمد ماهر وأحمد عبد الله ورشيد بوشارب وإسكندر قبطي.
لقد عبّرنا في مقالتنا «أيها العرب انسحبوا» (الأخبار، 7 أيلول/ سبتمبر 2009)، عن وجهة نظر في استراتيجيّة المواجهة مع المهرجان الذي اختار، بالتنسيق مع حملة Brand Israel، أن يجمّل صورة سفّاح غزّة أمام الرأي العام الكندي والعالمي، ويُسهم في تمويه جرائمه خلف واجهة حضاريّة براقة. وقد زاد من غضبنا استغلال كامرون بايلي، أحد مديري المهرجان، مشاركة السينمائيين العرب لتبرير تواطؤ مؤسسته مع البروباغاندا الصهيونيّة، تلك التي شبّهها المخرج الكندي جون غرايسون في رسالته الاحتجاجيّة إلى إدارة المهرجان بنظام التمييز العنصري «الأبارثايد».
لكنّ ردود الفعل المختلفة، من جهات وشخصيات ومؤسسات رصينة، معنيّة بالدفاع عن الحقوق الفلسطينيّة والعربيّة والتصدي لحملات التضليل، وغير مشكوك في خبرتها وإلمامها بخلفيّات إدارة الصراع في محفل عالمي بأهميّة «تورنتو»، جاءت تبلور وجهة نظر مختلفة في طريقة التعاطي مع الحدث. «لماذا يحرق السينمائيّون العرب أوراقهم بسبب تظاهرة هامشيّة لا تمثّل الا جزءاً بسيطاً من المهرجان؟»، تساءلت الناشرة ياعيل ليرر وكانت من أوائل مطلقي «إعلان تورونتو». وتصرّ صاحبة «دار أندلس» والمناضلة المعادية للصهيونيّة: «لا بدّ من أن يبقى السينمائيّون العرب ويعرضوا أفلامهم ويواجهوا الرأي العام، فهي فرصة ثمينة لإيصال تجاربهم على نطاق عالمي واسع»...

لم ينسحب أي سينمائي باستثناء غرايسون

أما المخرج الكندي جون غرايسون الذي كان أول من فجّر القضيّة بسحب فيلمه القصير Covered من البرنامج، فنشر توضيحاً لموقفه، يؤكّد أن موقفه جاء ليسلط الانتباه على عبثيّة تكريم تل أبيب من المهرجان، لكنّه لم يدعُ قطّ إلى المقاطعة، ولم يتوقّع من أي سينمائي أن يحذو حذوه، وخصوصاً أن «مهرجان تورنتو» سوق لا يقدَّر بثمن للسينمائيين، ولا أحد يملك ترف الاستغناء عن الفرصة التي يقدّمها. ويذكّر غرايسون أن «إعلان تورنتو» (وقعته نعومي كلاين وجين فوندا وكين لوتش... وعشرات الفنانين والمثقفين من العالم)، دعا السينمائيين إلى الاحتجاج لا المقاطعة.
عمر البرغوثي أحد القيّمين على المبادرة الفريدة من نوعها التي هي «الحملة الفلسطينيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة لإسرائيل» PACBI، عبّر عن موقف مشابه، رافعاً عبء المقاطعة عن السينمائيين الفلسطينيين والعرب: «لقد أوضحنا مراراً أن ميثاق حملتنا ومبادئها، لا تطلب على الإطلاق من أي سينمائي عربي مقاطعة مهرجان تورنتو»، ما يؤكّده السينمائي المصري يسري نصر الله، بدوره، في اتصال هاتفي معاتباً. يرى صاحب «باب الشمس» أن الانسحاب لن يمثّل أي ضغط على إدارة المهرجان، بل بالعكس سيترك الساحة خالية أمام الخطاب الدعائي الاسرائيلي. «وقّعنا إعلان تورنتو، وهو لا يطالب بالانسحاب أو المقاطعة، بل بالاحتجاج. وأساساً لم ينسحب أي سينمائي باستثناء غرايسون. نحن مع مقاطعة إسرائيل، لا مقاطعة تورنتو! بوسعك أن تتخيّل لمصلحة مَن ستأتي إزاحتنا عن هذه الساحة الدوليّة الحيويّة... أما حضورنا، فهو المواجهة الفعليّة مع البروباغاندا الإسرائيليّة التي انزلق إليها المهرجان».