نجوان درويشعزيزي بيار، نسيت أن أخبرك: مقالك الأول (7/9) عن وجوب انسحاب المخرجين العرب من «مهرجان تورنتو» كان في مكانه تماماً. أما مقالك الثاني (9/ 9) الذي يقبل كما يبدو بوجهة النظر القائلة إنّ المطلوب هو الاحتجاج وليس المقاطعة، فكان ـــــ كما بدا لي ولغيري ـــــ اعتذاراً عن الموقف في المقال الأول، تحت ضغط (من سأسمح لنفسي بتسميتهم) «انتهازيّي تورنتو» من العرب! ثم أليس الانسحاب وحتى المقاطعة شكلاً بليغاً من أشكال الاحتجاج؟ صحيح أن الهدف ليس مقاطعة مهرجان سينمائي غربي، بل الهدف هو الاحتجاج والضغط على إدارة المهرجان لوقف مهزلة الاحتفاء بـ«تعددية تل أبيب وتنوّعها». بالطبع لن نختلف على أهمية حضور عربي في ملتقيات السينما في العالم، لكن علينا ألا ننسى أن تعليق المشاركة شكل مؤثّر من أشكال الاحتجاج والضغط على إدارة المهرجان، وأنه لو جرى التلويح (مجرّد التلويح!) بالمقاطعة من قبل المخرجين العرب، لكان المهرجان أُجبر على إعادة النظر في المسألة، ولكانت إدارته اضطرت إلى التعامل بجدية مع تبعات الاحتفاء بتل أبيب، هذا الاسم الحركي للاستعمار الصهيوني الأبشع الذي ما انفك يرتكب الجريمة تلو الجريمة والعالم يتفرّج.

أليس الانسحاب وحتى المقاطعة شكلاً بليغاً من أشكال الاحتجاج؟

ثم منذ متى أصبحت ياعيل ليرر (وإن كانت «معادية للصهيونية») مرجعاً للعرب في إدارة مواقفهم الثقافية؟ ومنذ متى يقدّم عمر البرغوثي ـــــ على تقديرنا لشخصه ونشاطه في المقاطعة ـــــ فتاوى تجيز المشاركة هنا والمقاطعة هناك، كما يُفهم من استشهادك برأيه. صحيح أننا نحترم عمل «حملة مقاطعة إسرائيل ثقافياً وأكاديمياً»، وطالما وقفنا في الخندق نفسه، أما أن يصبح العزيز عمر إماماً يفتي أو يُستفتى ضد المقاطعة، فهذا أمر عجيب! الأجدر بـ«الحملة» أن تبقى في موقعها جهة تكافح لمقاطعة إسرائيل ثقافياً وأكاديمياً، وليس عليها أن تنزلق إلى استعمال سلطتها المعنوية لتقديم فتاوى بعدم المقاطعة.
أتعرف ماذا سيحصل الآن؟ سيشعر منظّمو «تورنتو» بشيء من الندم الخفيف. ولكي يخففوا من بشاعة تكريمهم لتل أبيب، سيمنحون عربياً، والأغلب ـــــ أن يكون إيليا سليمان (الصورة) ـــــ جائزة من جوائز تورنتو، ليظهروا عدم انحيازهم لإسرائيل الفاشية، ولـ«يكفّروا» عن الاحتفاء بأبشع العواصم الاستعمارية (وهو تكفير سهل وغير مكلف). هذا الأمر يعرفه سينمائيّونا الأشاوس... وإنّ غد إعلان جوائز تورنتو لناظره لقريبُ!