محمد خيررمضان التلفزيوني ليس فقط شهر المسلسلات، بل هو شهر البرامج الحوارية أيضاً. عمّ يبحث المشاهد العربي في ما يُعرض من برامج حوارية «جريئة»؟ نتحدث هنا عن البرامج التي استوردت «جرأتها» من عالم الميديا الغربية وتقوم على استضافة ضيف واحد ومحاصرته. ونعني هنا البرامج التي تجاوزت ثقافة المجاملات العربية التي طبعت شاشاتنا طويلاً. حتى إن الحوار الجريء في الشاشة العربية، هو الحوار الطبيعي في أي شاشة أخرى، ذلك الذي يدفع الضيف إلى الخروج عن تحفّظه ونسيان الأفكار المعدّة سابقاً. هذا هو الغرض من الحوار... فلم تصنّف البرامج الحورية العربية نفسها ـــــ قبل أن يصنّفها المشاهد ـــــ إلى جريئة وغير جريئة؟ والأهم: إلى أي حدّ يمكن البرنامج العربي أن يكون جريئاً؟ ووفق أي مفهوم للجرأة؟ فيما اتسعت المساحة الإعلامية العربية، لم يكن الحراك السياسي والاجتماعي العربي بالحيوية نفسها. بالتالي، فعدد المشاهير ممن يستحقون الاستضافة ظل محدوداً، بل أقل من عدد الفضائيات العربية التي اقتربت من 400. يمكن التأكد لدى ملاحظة أنّ 50 أو 60 اسماً على الأكثر هم ضيوف جميع البرامج. وباستثناء عدد محدود من نجوم السينما والطرب، ممن يقلّلون ظهورهم و«يمنحون» أنفسهم لبرنامج يتيم كل موسم، مقابل مبالغ

نجوم سمعناهم ألف مرة، وما زلنا لا نعرف شيئاً عن آرائهم السياسية

نقدية هائلة بالطبع... باستثناء أولئك، بضع عشرات من النجوم يمكن رؤيتهم يومياً، يتنقلون بين هذا البرنامج وذاك، بين هذا المحاور وتلك المذيعة، لا تتغيّر سوى الخلفية والديكور، وربما أسلوب المذيع وبعض الأسئلة. لكنّ إجابات الضيف/ النجم تبقى واحدة. وهو يفاجأ كل مرة عند طرح السؤال نفسه عليه، وتدمع عيناه عند الفقرة نفسها، ويرفض الحديث عن الموقف الفلاني نفسه. حتى إن بعض الضيوف قال لمحاوريه صراحة إنّه أجاب عن هذا السؤال كثيراً، بل أمام المحاور نفسه في برامج أخرى! ولا شك في أن المشاهد الذي يهوى الإبحار بالريموت كونترول، سيشعر أن الزمن توقف وأنّ اليوم يعيد نفسه بلا نهاية.
هذا التكرار يُفرغ «الجرأة» من مضمونها، إذ بِمَ تفيد الجرأة إذا كانت الأسرار قد انكشفت منذ أمد؟ وكيف يمكن قياس الجرأة إذا كانت غالبية البرامج تذاع مسجَّلة؟ مع ذلك، الأهم في سؤال الجرأة يتجاوز كل ذلك. هؤلاء الضيوف أنفسهم المكررون، يمكن استخراج إجابات «حقيقية» منهم لو كان المناخ المجتمعي يسمح بذلك. معظم هؤلاء النجوم الذين سمعناهم ألف مرة لا نعرف شيئاً عن آرائهم السياسية الحقيقية، واقتناعاتهم الفكرية بل العقائدية. ما زالت الشهرة في العالم العربي مرهونة برضى السلطات أو أقلّه عدم استفزازها. والمقصود هنا السلطات بأنواعها، سياسية واجتماعية ودينية. بالتالي، عند تطرّق الحوار إلى المناطق الحساسة والتابوهات، لا ينطق الضيوف سوى بالإجابات التي تحوز الرضى الاجتماعي. هم لا يتكلمون بصراحة إلا في القضايا الصغرى، أو مساحات التنافس الفني والسياسي. أما في القضايا الكبرى، تلك التي تجلب غضب الحكومة أو الجامع أو الكنيسة، فعندها يصبح السكوت من ذهب.