بعد اندلاع التظاهرات في سوريا في آذار (مارس) 2011، تحوّلت طاولات «مقهى الروضة» الدمشقي إلى ما يشبه المنتديات التي تدور فيها الحوارات السياسية المهمة. في أحد الأيام، دخل الممثل السوري عامر السبيعي (1958 ــ2015/ الصورة)، وانضم إلى إحدى الطاولات، وراح يدافع بحماس عن مطالب الشعب المحقّة. احتد النقاش مع أحد الفنانين الموالين، ثم تحوّل كلام الأخير إلى شتائم وتهديدات صريحة. فما كان من نجل «فنّان الشعب» إلا أن أشاح بوجهه مع ابتسامة بسيطة وقال: «إرمِ سلاحك وإنسحب، هذا زمان الإمّعة».
غاب السبيعي عن الأماكن العامة، قبل أن يضطّر إلى مغادرة سوريا، لينسحب بشكل نهائي من الحياة ليلة أوّل من أمس إثر أزمة قلبية مفاجئة ألمّت به، وصُلّي عليه ظهر أمس وَووري الثرى في مقابر الإسكندرية مكان إقامته. هكذا، لم يتح للممثل الذي اشتهر في الأعمال الشامية أن يعود إلى مدينته التي ولد وعاش فيها غالبية سنوات عمره. لدرجة أنّ محبّيه روّجوا أنّه نذر ألا يُقيم فرحاً حتى يعود إلى «مدينة البوابات السبع». يَعرف جمهور الدراما أنّه هُيِّئت للراحل ظروف استثنائية ليستنشق أوكسجين المعرفة والإبداع. فقد ولد في بيت «أبو صياح» وعايش تجارب درامية مهمة منذ مسلسلات دريد لحام ونهاد قلعي التي كان والده جزءاً أساسياً في غالبيتها، مروراً بمسرح «الساعة العاشرة» الذي كان رائده الكاتب محمد الماغوط، وصولاً إلى «مسرح الشوك» الذي أسّسه الراحل عمر حجو بالتعاون مع لحّام.
من هنا، وجد السبيعي طريقه سالكاً نحو التمثيل، وباشر العمل في مسلسل «وادي المسك» مع لحّام، لكنّه بدأ يحقق شهرة فعلية في سنوات متأخرة من عمره.
أمّا لكنته الشامية وشكله الفلكلوري، فجعلاه مطلوباً بشكل كبير في الأعمال الشامية، بينها «حمّام القيشاني»، و«أولاد القيميرية»، و«الحصرم الشامي»، و«أهل الراية»، و«الدبور 1 ــ2»، و«بيت جدي2»، و«الأميمي»، و«زمن البرغوث». إضافة إلى حضوره الدائم إلى جانب الكوميديان ياسر العظمة في سلسلة «مرايا»، من دون أن يفوّت فرصة التعاون مع جيل المخرجين الشباب، منهم شقيقه سيف الدين السبيعي الذي كان حاضراً في غالبية أعماله، والمثنى صبح ورشا شربتجي.

توفي الممثل السوري إثر أزمة قلبية وَدُفن في الإسكندرية

مع اندلاع الأحداث في سوريا، تخلّى الراحل عن كلّ ذلك، وقرّر أن يختار مواقف مناهضة للنظام، تاركاً وراءه خلافاً سياسياً مع والده وشقيقه. وفي عام 2012، تعرّض في مدينة حرستا لعملية اختطاف على يد «جبهة النصرة» التي ظنّت أنّها تأسر موالياً، إلى أن تدخل عناصر من «الجيش الحر» وأطلقوا سراحه، ليقرّر بعدها التوجّه إلى مصر ليقيم مع عائلته حتى وفاته.
من هناك، واصل الراحل تأييده لـ «الثورة»، وكان يُشارك عبر صفحته الفايسبوكية أغاني مؤيدة لـ«الجيش السوري الحرّ»، ويؤدّي أخرى بصوته ويعزف على العود. وكان يختم كل مشاركاته الافتراضية بلازمة عبارة عن جملة درامية: «أبو رفيق شيخ الشباب وخدّام الأوادم». في اتصاله مع «الأخبار»، يبدو المخرج سيف الدين السبيعي في غاية الحزن ويُخبرنا أنّ «العائلة ستفتتح عزاء يومي الأربعاء والخميس (اليوم وغداً) من الساعة السادسة حتى الثامنة مساءً في صالة «دار السعادة» في حيّ المزّة في دمشق».
كالعادة، حوّل الخبر صفحات عدد كبير من الفنانين السوريين إلى جدران عزاء، وسرعان ما بادر كل من جمال سليمان، وعبد الحكيم قطيفان، وجهاد سعد، وسامر رضوان، وإياد أبو الشامات، وآخرون إلى نشر صور عامر ونعوته. وانصرف آخرون نحو تفخيخ تعازيهم ومزجها بوحل السياسة، متجاوزين قداسة الموت!

تقبل التعازي اليوم وغداً ــ من الساعة السادسة حتى الثامنة مساءً ــ في صالة «دار السعادة» (حيّ المزّة ــ دمشق).