مثّلت أعماله البداية الحقيقية لنشوة الدراما السورية. هذا الموسم، يصرّ نجدة أنزور على الخروج عن المألوف، ولو كان على حساب الوقوع في أخطاء مجانية نسفت الجدية التي عالج بها «رجال الحسم»
وسام كنعان
عندما نتحدث عن الدراما السورية وأهمّ مخرجيها، لا بد من أن يرد اسم نجدة أنزور الذي قاد أعمالاً مثّلت البداية الحقيقية لنشوة الدراما السورية. ولعل أبرز هذه الأعمال هو «نهاية رجل شجاع» وربما بعض من أعمال الفانتازيا التي كانت تطفو عليها رؤية مخرج يعشق الخروج عن المألوف. هذا الموسم، يبدو أنزور كأنّه يصر على تكريس رغبته بالخروج عن المألوف وتقديم صورة مختلفة عما يقدمه زملاؤه، وإن كان ذلك على حساب الوقوع في أخطاء مجانية تنسف كل الجدية التي عولج بها «رجال الحسم» الذي يُعرض حالياً. النص الذي كتبه فايز البشير يطرح قضية شعب اغتصبت أرضه، وشُرِّد أطفاله في الجولان بعد هزيمة 67 ليخرج من هذا الشعب شاب اسمه فارس (باسل خياط) يمضغ علقم الهزيمة فيختار لاحقاً السفر بحثاً عن الانتقام. وبعد أن ينتحل شخصية شاب يهودي، يدخل فارس عوالم الموساد الإسرائيلي ويتعرّف إلى عملائه ويبدأ رحلة انتقامه مسترجعاً ما خلّفته آلة العدوان على الجبهة التي كان يقاتل عليها برتبة ملازم. وسيكمل فارس (المعجزة!) رحلة انتقامه من دون مساعدة دولته أو جهاز استخباراتها، لكن سيكون المعادل الموضوعي لهذا الأخير، بحسب منطق النص، فتاة ناعمة يتعرف إليها فارس فتحبه وتأخذ على عاتقها المضي إلى جانبه دائماً.
القصة تبدو مشوّقة وتثير الرغبة في المتابعة، وقد حقّقت نسبة مشاهدة جيدة ضمن المنافسة الرمضانية، وخصوصاً أنّ المشاهد العربي يتحمّس لهذا النوع من الأعمال الذي يشعر فيه بأنّه حقّق انتصاراً ما على إسرائيل في زمن الهزائم والنكسات المتلاحقة. وأفضل مثال على ذلك، هو مسلسل «رأفت الهجان». وفي هذا الإطار، تسرّع كثيراً أنزور في تصريحاته الرنانة قبل رمضان، حين تحدى بعمله الجديد المسلسل المصري اللافت والمعروف.
حاول مخرج «رجال الحسم» أن يوزّع أدوار البطولة على ممثلين لم يظهروا هذا الموسم في أي من الأعمال الأخرى، وذلك في رغبة واضحة بأن ينفرد عمله بوجوه مختلفة عن أغلب الوجوه التي تتكرّر في الدراما السورية لموسم واحد. لكنه نجح بجزء بسيط في ما يخص أبطال العمل الرئيسيين بدءاً من الممثل السوري باسل خياط الذي قدم أداءً متزناً، لكنه لا يخلو من حالة تقليد واضحة لأسلوب أحد الممثلين السوريين النجوم، مروراً بالأردني ياسر المصري الذي أمسك بخيوط شخصية «إيفال» أحد عملاء الموساد، وقدمها بطريقة مقنعة وممتعة في آن. لكنه لم يستطع أن يفلت من شباك لهجته الأردنية الواضحة وصولاً إلى المطربة اللبنانية مايا نصري التي كانت خياراً موفقاً لدور «ميراج». إذ إنّها أقنعت كل من يشاهدها بأنها فتاة يهودية تربّت في أحضان الاستخبارات الإسرائيلية، بل يبدو دورها أهم ما قدمته في رحلتها الفنية على صعيد التمثيل. مع ذلك، ستفلت منها بعض الكلمات بلهجتها اللبنانية. ورغم أنّ مخرج العمل أراد تجاوز موضوع اللغات واللهجة ليتحدث الكل بالعربية وبلهجة واحدة، إلا أنّ أهل قرى الجولان سيظهرون وهم يتحدثون بطريقة أهل العاصمة، كأنهم ولدوا في باب توما، أحد أحياء دمشق القديمة وقد انتقلوا لتوّهم إلى الجولان. ثم سيظهر إيفال متحدثاً بالأردني، ومن بعدها تمرر ميراج

صياغة مشاهد جريئة بطريقة غير مسبوقة وبحرفية عالية
ومن دون قصد بعضاً من لكنتها اللبنانية. فيما تبدو أزمة المخرج في تعبئة الوقت والتطويل ظاهرة للعيان، كأنّ النص الذي كان بين يديه كُتب لـ15 حلقة فقط، لكن ذلك لن ينطبق على الشرط الأساسي للتسويق الرمضاني. إذ لا بد من أن تصل قوام حلقات العمل إلى 30. هكذا سيجد أنزور نفسه مضطراً لإعادة المشهد ذاته، بحيث تكون الشخصية في وضع التذكّر للأحداث التي مرت بها، لكنّ الأمر سيصل إلى درجة المبالغة التي لا تحتمل. فما إن ينتهي أحد المَشاهد حتى تختلي الشخصية بنفسها وتبدأ بالتذكّر ليعاد تقديم المشهد نفسه بعد انتهائه مباشرة وربما لأكثر من مرة، إضافة إلى وجود لازمة حقيقية للعمل متمثلة في بعض المشاهد التي يتذكرها بطل المسلسل وتعاد في معظم الحلقات. أحد تلك المشاهد هو تصوير الحرب الدائرة التي يشارك فيها الملازم فارس الذي صار دوي الرصاص يعشش في أذنيه وباتت مناظر الجرحى والقتلى، بمن فيهم أصدقاؤه وأقرباؤه، تسكن في مخيلته. ورغم أن مخرج المسلسل مواطن سوري، ويعي أن معظم المشاهدين السوريين يعرفون تماماً أن جميع الرتب تُنزع خلال الحرب، لكنه سيعيد إظهار فارس على الجبهة وهو يحمل رتبة الملازم. مع ذلك، يثبت أنزور من جديد إمكاناته الفائقة في تصوير المعارك تحديداً بعدما استعان أيضاً بفريق عمل من إنكلترا لتنفيذ المعارك، إضافة إلى ذكائه في صياغة مشاهد جريئة بطريقة غير مسبوقة وبحرفية عالية.

00:00 على قناة «شام»
23:00 على «أبو ظبي»


فرص لمن يستحقّها

«رجال الحسم» هو أول الأعمال السورية التي تتطرق إلى قضايا الجاسوسية. وقد استخدم في تصويره تقنيات تعد الأحدث على مستوى الدراما العربية بعدما حظي بضخامة إنتاج تصدى لها كل من شركة «الهاني» السورية، وتلفزيون «أبو ظبي». وفي محاولة لإعطاء القصة بعدها الواقعي، جرى التصوير في أكثر من بلد أوروبي. كما دأب نجدة أنزور (الصورة) على تقديم فرص لوجوه شابة، سجّل بعضهم حضوراً مميزاً في إطلالته الأولى عبر الشاشة. فيما ظل ظهور بعض الوجوه الجديدة والقديمة في هذا العمل عبارة عن تكرار للأسلوب نفسه والطريقة البعيدة عن فنّ التمثيل