صدّق أو لا تصدّق: شعر المعلّم اللبناني بات مادة خطيرة ومشتبهاً فيها، في بلاد صلاح عبد الصبور وأمل دنقل. السبب؟ شكوى ضدّ أعماله الكاملة (منشورات وزارة الثقافة المصرية)، بتهمة «المسّ بالذات الإلهية»!
القاهرة ـــ محمد شعير
وحدها المصادفة كشفت عن قضية مصادرة جديدة في مصر. هذه المرة، الضحية هي الأعمال الكاملة للشاعر أنسي الحاج التي صدرت منذ عامين عن «هيئة قصور الثقافة» التابعة لوزارة الثقافة المصرية. لم تأت المصادرة بقرار رسمي مكتوب، بل بناءً على «أوامر» إدارية بدفن الكتاب ــــ بمجلداته الثلاثة ــــ في مخازن الوزارة بعيداً عن متناول الجمهور. اكتشف المصادرة الشاعر عبد المنعم رمضان الذي ذهب إلى فرع الهيئة لشراء المجلدات الثلاثة من شعر الحاج، فكان جواب الموظف: «غير متوافرة». خال رمضان أنّ الأعمال الكاملة نفدت، إلا أنّ الموظف أفهمه أنّ «رئيس الهيئة السابق أحمد نوار، هو وراء القرار القاضي بعدم عرضها على الجمهور». وفهم الشاعر المصري أن الدافع وراء هذا الإجراء، هو اتهامات موجّهة بأن القصائد تتضمن ما يمس الذات الإلهية. وقد صدر قرار المصادرة بسرية مطلقة.
وتوجّهت «الأخبار» لتوضيح المسألة إلى الرئيس الحالي لـ«هيئة قصور الثقافة» أحمد مجاهد، وكان مسؤولاً عن سلسلة «الأعمال الكاملة» التي نشرت أنسي الحاج. فأكّد عدم وجود أي قرار مصادرة رسمي، موضحاً أن رئيس الهيئة السابق أحمد نوار وجّه تعميماً داخلياً يقضي بالإحجام عن توزيع النسخ الألف الباقية من الديوان. وجاءت هذه المبادرة بعدما اشتكى «أحد الشعراء» بأنّ بعض قصائد الحاج تحوي مساً بالذات الإلهية. وكشف أحمد مجاهد أن الهيئة طبعت 5 آلاف نسخة من الأعمال الكاملة (٣ أجزاء)، وزّع منها ما يقارب 500 على الأدباء المشاركين في أحد مؤتمرات الأقاليم. أما الكميّة التي وزّعت في الأسواق (3500 نسخة)، فنفدت فوراً. وبعدما أثيرت الضجة أخفيت الكميّة الباقية.
هناك قرار مصادرة «شفهي» إذاً؟ يهزّ مجاهد برأسه، قبل أن يلمنا بأنّه اتفق أخيراً مع سعد عبد الرحمن رئيس تحرير السلسلة والأمين العام للنشر، على طرح ما بقي من النسخ للبيع، لأنه لا يحب أن يقال إنّ عهده «كان عهد مصادرة. لكنّ رئيس تحرير السلسلة ارتأى أن الحلّ هو إرسال بقية النسخ إلى مكتبات قصور الثقافة الموزعة على أنحاء مصر، ويبلغ عددها 540 مكتبة، واقتنع هو بالفكرة لأنها ستفيد عدداً أكبر من القراء. وبدأ بالفعل اتخاذ خطوات لتوزيع هذه النسخ!

قرار المصادرة «شفهي» صدر بسرية مطلقة

ولدى سؤال رئيس الهيئة عن اسم الشاعر الذي كتب شكوى ضد الحاج، أجاب: محمود الأزهري. إلا أنّ الأزهري نفى أن يكون قد طالب بمصادرة أشعار صاحب «لن». وأوضح «نشرت منذ عامين مقالة بعنوان «إذاً صادروا أنسي الحاج»، انتقدت فيها وزارة الثقافة وهيئة قصور الثقافة بعد رفضهما نشر ديواني، لأنّه يتضمن خروجاً على القيم والأخلاق، واعتداءً على الذات الإلهية، حسبما قالوا لي». وأضاف: «انتقدت في المقالة سياسة الكيل بمكيالين، إذ كيف تصادر الوزارة مجلة «إبداع»، وترفض طبع ديواني... ثم تنشر الأعمال الكاملة لأنسي الحاج مع أن هذه الأعمال ملأى بالقصائد والعبارات التي يصح أن نصفها بأنّها تمسّ بالذات الإلهية». ويشرح: «ما أردت معرفته هو إذا كان المسؤولون في وزارة الثقافة، يمتلكون استراتيجية واضحة، على أساسها تنشر أعمال الحاج أو سواه؟ وإذا كانت هذه الاستراتيجية متوافرة، فلماذا صادروا قصيدة حلمي سالم؟ وإذا كان صواباً مصادرة قصيدة حلمي «شرفة ليلى مراد»، فكيف نشرت الأعمال الكاملة للحاج؟ وإذا كان صواباً نشر أعمال الحاج في مصر المحروسة فلماذا صادرتم يا أسياد الثقافة قصيدة حلمي سالم؟»...
الجواب الوحيد الذي تلقّاه الأزهري من المؤسّسة الرسميّة، كان مصادرة ــــ متأخّرة ــــ لأعمال أنسي الحاج، كي يسدّوا الباب الذي تأتي منه الريح، ويقفلوا بذلك كل احتمالات النقاش!


الأعمال الكاملة وداعاً؟

لم يقتصر قرار المصادرة على شعر أنسي الحاج. بل إنّ سلسلة «الأعمال الكاملة» بأكملها مهددة بالتوقف، وخصوصاً أنه من السهل اصطياد عبارة من هنا أو من هناك بدافع الابتزاز، أو الغضب الشخصي، في أعمال أدونيس أو سعدي يوسف أو محمد عفيفي مطر... الذين اتُّفق معهم على إصدار أعمالهم الكاملة! أحمد مجاهد لا يوافق على هذه التخوفات، بل يطمئننا رئيس «هيئة قصور الثقافة»: «لا خوف على السلسلة، فهي لن تتوقف. أصدرنا الأعمال الكاملة للشاعرين فؤاد حداد وفؤاد قاعود. وسنستكمل قريباً أعمال أدونيس التي نفدت كل نسخها، كما سنصدر أعمال علي محمود طه، ثم سعدي يوسف وعفيفي مطر»