الرباط ــ محمود عبد الغني القلاع الثقافية في المغرب تتهاوى الواحدة بعد الأخرى. آخر هذه الأماكن الرمزيّة «بيت الشعر» الذي يعيش احتضاره البطيء: مؤسسة أخرى تعبر في فضاء الثقافة المغربية كالشهاب... منذ تأسيسه عام 1996 بمبادرة من شعراء مغاربة، على رأسهم محمد بنيس ومحمد بنطلحة وحسن نجمي وصلاح بوسريف، و«بيت الشعر» يقيم علاقةً نوعيةً مع الشعر المغربي والعربي والعالمي، ولا أدلّ على ذلك أكثر من المهرجانات والندوات والمهرجانات التي أقامها. وهي دينامية حوّلت المؤسسة التي تُعنى بالشعر أولاً وأخيراً، إلى صرح أضاف نفساً جديداً إلى الشعر المغربي، الذي كانت تنخره جرثومة البطء والروتين والعزلة. وهذا الواقع جعل العديد من «الشعراء» يتصيّدون الفرص للانتساب إلى المؤسسة بأي ثمن وطريقة، حتى يضمنوا هذا الانتساب الأعزّ. وبعدها، كما هي عادة

الارتجال يخيّم على أمسية تكريم محمود درويش
هذا الوسط، يشرعون في المناورة و«التآمر»، لإدخال قليلي الموهبة واحتلال «البيت»... بقيّة الحكاية يعرفها الجميع. هي تحدث كل يوم، في كل مكان من العالم العربي. وهذا بالضبط ما يحدث اليوم لـ «بيت الشعر» في المغرب. من فضاء للشعر والإبداع والتفاعل، إلى سلطة (واهية) يدور عليها النزاع... حتّى موت الشعر، وبيت الشعر!
كان يكفي، في الآونة الأخيرة، أن ننظر إلى أي نشاط يقوم به «بيت الشعر»، لنلاحظ حجم الأزمة المستشرية، ونوع المرض الذي فتك به بعد فترة قصيرة على انطلاقته. الأنشطة لم يعد يحضرها إلّا جمهور قليل، والمشاركون في الندوات هم أنفسهم، وأغلبيتهم من أعضاء المكتب المسيّر، وإحياء ذكرى أو مناسبة لا يخضع لأي معيار... هذا من دون الحديث عن «اليوم العالمي للشعر» الذي يمر في فتور تام. صارت البرمجة قائمة على الارتجال، وتتميّز بالاستخفاف وغياب المعايير، بعيداً من الرؤيا والتخطيط والإعداد... لعلّ خير مثال على ذلك الأمسية التي سيقيمها البيت يوم 25 الحالي في ذكرى رحيل محمود درويش. إذ دُعي الجميع (عبد الكريم غلاب، شيخ الروائيين المغاربة الذي لا تربطه علاقة شعرية أو حياتية أو نقدية بمحمود درويش، عبد الله ساعف، وهو باحث في العلوم السياسية)... ما عدا الشعراء الذين ربطتهم علاقة وطيدة بالراحل، أو النقّاد الذين اشتغلوا على شعره، أو أصدقاءه المقرّبين.
هذا دليل على الفكرة التي باتت تتردّد أخيراً على أكثر من لسان، وتفيد أنّ البيت جرى تهريبه إلى وجهة مجهولة منذ 2008، أي العام الذي انُتخب فيه نجيب خداري رئيساً له. ها هي مؤسسة ثقافية مغربية أخرى تتوارى، بعد الأزمة الخانقة التي تعيشها أم المؤسسات: اتحاد كتّاب المغرب. فأي علاج ينفع؟ وكيف تنبعث الحياة الثقافية المغربيّة على أسس ديموقراطيّة وصحيّة تضع في رأس أولويّاتها الإبداع والتعدديّة والإنتاج؟