باريس ــ عثمان تزغارتلم يكن أحد يتوقّع المنعطف الذي سلكته انتخابات الأونيسكو في جولتيها الأخيرتين، لتسفر عن فوز البلغارية إيرينا بوغوفا، على وزير الثقافة المصري فاروق حسني الذي تفوّق على منافسيه منذ بداية الاقتراع (راجع الأخبار، عدد 19/9). فما الذي حدث حقاً؟ لعل الثقل السياسي الذي حاولت الدبلوماسية المصرية أن تشحن عبره تأييداً دولياً لمرشحها جاء عكسياً. الرئيس حسني مبارك اتصل بالملك الإسباني خوان كارلوس والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، عشية الجولة الرابعة من الاقتراع، مطالباً دول جنوب أوروبا المطلة على المتوسط بدعم مرشّحه، ومعتبراً أنّ مستقبل «الشراكة المتوسطية» مرهون بذلك. تجاوباً معه، قررت ثلاث من دول جنوب المتوسط، هي: إسبانيا، البرتغال وإيطاليا، التصويت للمرشح المصري، وسحب تأييدها للمرشحة الأوروبية بينيتا فيريرو التي أعلنت لاحقاً انسحابها. وبات الطريق مفتوحاً لفوز فاروق حسني. لكنّ السفير الأميركي في الأونيسكو، ديفيد كيليون، لم يستسلم، بل شنّ حملة شنيعة ضد المرشّح العربي. وضحّى كيليون بمرشحته إيفون عبد الباقي، لأنه أحسّ بالخطر، بعدما بات فوز المرشح المصري في الجولة الرابعة شبه مؤكد، وقرّر تجيير أصواتها إلى البلغارية إيرينا بوغوفا، ما جعل رصيد هذه الأخيرة يقفز من 9 إلى 29 صوتاً. وإذا بالجولة الرابعة تسفر عن تعادل الأصوات بينها وبين فاروق حسني.

خافت إسرائيل من محاسبتها على سياسة تهويد القدس

وخلال الـساعات الـ 24 الفاصلة عن الجولة الخامسة، دارت معركة في الكواليس. المعسكر العربي راهن على البعد الجيو ـــــ سياسي للجولة النهائية، لكونها تدور بين مرشح من دول الشمال وآخر من الجنوب. أما السفير الأميركي، زعيم الحملة المعادية للمرشح المصري، فكان أكثر براغماتية وانبرى «يشتري» الأصوات مقابل وعود بمناصب ثانوية في «الأونيسكو». وبيّنت نتائج الجولة الخامسة أن مساعي السفير الأميركي استمالت أصوات 5 دول من المجموعة الأفريقية.
كان واضحاً أن السفير الأميركي يخدم أجندة صهيونية أكثر مما يعبر عن موقف بلده الذي التزمت إدارته الحياد في معركة الأونيسكو. وإذا بالسفير الأميركي يتحول رأس الحربة في معركة اللوبي الصهيوني ضد المرشح المصري. والأمر ذاته مع وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، المعروف بميوله الصهيونية، وقد انتقد علناً المرشح المصري، رغم التزام فرنسا رسمياً بالتصويت له.
الحملة المعادية لحسني تذرّعت بتصريح له اعتبر «معادياً للسامية». لكن كان واضحاً أن إسرائيل تخشى وصول مرشح عربي ـــــ مهما كان «معتدلاً» ـــــ إلى رئاسة الأونيسكو المكلفة بحماية التراث الإنساني العالمي. لأنّ الدولة العبرية ترى ذلك تهديداً لما تقوم به من أعمال منافية للتشريعات الدولية، في ما يتعلق بمحاولات تهويد القدس.