محمد خير
كان حزيناً الشاعر صلاح جاهين إلى أن رحل عن عالمنا، فكيف جاء مبهجاً في عرض «سكتم بكتم»؟ ذاك الذي استوحته دعاء طعيمة بالكامل من قصائد الشاعر المصري الكبير ورباعيّاته وأغنياته ومسرحياته. خلال ساعة من الزمن، لا ينطق الممثلون كلمة خارج الأشعار الجاهينية التي امتزجت بدقة وحيوية، كي تخدم خيطاً درامياً بسيطاً يجمع الاستعراضات المستوحاة من «الليلة الكبيرة» التي كتبها جاهين لتصبح أشهر مسرحية عرائس عربية. يحل البشر الممثلون محل العرائس، ويتّسع النصّ لكلمات الشاعر من مختلف إبداعاته: الأراجوز والمعلم والمغني والراقصة الشعبية وغيرهم ينطقون بالحكمة في كل أوان ولا غرابة، فصاحبها شاعر كبير والشعر بيت الحكمة.
على «مسرح الغد» القاهري، قدّمت «فرقة الغد للعروض التراثية» مسرحيتها الاستعراضية. الدهشة مشروعة هنا لتناقض اسم الفرقة ـ والمسرح ـ مع التخصص: الغد/ تراث؟ قد يزول الاستغراب لدى تذكر أنّ «مسرح الغد» كان مخصّصاً للعروض التجريبية. تلك التي تتّسق أكثر مع اسم المسرح الذي ظل كما هو. مهما يكن، «جربت» المخرجة أن تأخذنا إلى جولة في العالم الجاهيني العميق والبسيط في آن. الحوار يستعير أبياتاً أو قصائد فينطقها من دون لحنها، ثم تتدخل الموسيقى (رؤية موسيقية لعطية محمود) لتتخلّل أبياتاً غير ملحنة. وبين هذا وذاك، نستمع إلى صوت الشاعر نفسه ينطق رباعياته.

خيط درامي يجمع الاستعراضات المستوحاة من «الليلة الكبيرة»
أما أشعاره المغنّاة، فمعنى استعارتها في العرض هو استضافة ألحان عبد الوهاب وكمال الطويل وعمار الشريعي وسيد مكاوي الشريك الأكبر والأقرب لجاهين، بأداء ورقص وأصوات أعضاء الفرقة نستمع إلى مقتطفات من: «البيانولا»، «ليلة امبارح»، «الصهبجية» وغيرها من إبداعاته نستمع إليها مغنّاة حيناً، أو مؤدّاة. ولكل شخصية عبارة علامة، فيؤكد دقدق (تامر الكاشف) «والله لولا الحب كانت تبقى غم، الشوارع تتملي مجاريح ودم». أما أحمد بسيم الذي يؤدي «الريس حنتيرة»، و«شجّيع السيما»، و«بائع الطراطير»، فلا يتوقف عن تذكّر الحقيقة «أنا لوحدي مفيش حاجة». ومن لوعتها تشدو جمالات (مي حمدي) الأغنية التي جاء منها اسم العرض (ما كلهم عارفين اللي بحبه مين وهو «سكتم بكتم» ودي مش أمور عاقلين). تتوالى لوحات الاستعراضات كي تتخلل الخيط الرئيس: حب الأراجوز (محمد عادل) للجميلة ريحانة (آية السعيد) التي تبادله الحب، لكنها تتوجس توجساً جميلاً «إنت جميل كده ليه؟ وناويلي على إيه؟».