Strong>أسطوانته «موجة ساكنة» في خانة الـ Ambientبدأ مسيرته بعد انتهاء الحرب الأهلية، بأعمال مستقاة من الريبرتوار اللبناني. تأثّر بمرسيل خليفة، ومال قليلاً إلى الغرب... لكنّه حافظ على جذوره الشرقية. قراءة لتجربته التي باتت مكرَّسة على الساحة المحلية والعربية

بشير صفير
اختتم زياد الأحمدية أماسي «مسرح بابل» الرمضانية منذ أسبوعين بحفلة «موجة ساكنة». وتخلل الأمسية إطلاق أسطوانة جديدة تحمل العنوان نفسه، أضيفت إلى أسطوانتَيْ الأحمدية السابقتَين، «بالبال» (2003) وBeyond Traditions (2006).
زياد الأحمدية لا ينتمي إلى الجيل الجديد، ولا إلى ذاك المخضرم، بل إلى الفئة التي استهلّت مسيرتها الفنية بُعَيد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان. بدأ مسيرته عام 1992 بأداء أعمال غنائية من الريبرتوار اللبناني، معوّلاً على الحفلات لإيصال صوته إلى الجمهور. بعد ذلك، عمل على تأليف أعمالٍ خاصة، موسيقية آلاتية وغنائية، فأصدر عام 2003 باكورته «بالبال». في هذا الألبوم لم يقطع الأحمدية صلة الوصل بين ثقافته الفنية (الأغنية اللبنانية الملتزمة) وبيئته من جهة، وإنتاجه من جهة ثانية، فأتت أعماله مطعَّمة بألوان عرفها في سنوات تكوُّن وعيه الفنيّ.



من "بالبال"







هكذا قدَّم أغنيات ومقطوعات موسيقية ريفية لا تخلو من علاقة خاصة بالمدينة، وعربية لا تخلو من ميل محدود إلى الغرب. نقع في «بالبال» على أثر كبير للفنان مرسيل خليفة، فنتذكّر في الأغنية التي أعطت اسمها للألبوم، أسطوانة «ركوة عرب»، وفي «بشَرَفِك» قديم خليفة. كما يشير الأحمدية في محطات أخرى إلى سامي حوّاط وأحمد قعبور، لكنه يبقى نفسه، على مستوى النص (كلمات هشام جابر ونغم عرنوق وسميح القاسم)، مستقلاً إلى حد ما عن هذه الأسماء، ولو أنه لا يخفي التزاماً بالقضايا الإنسانية والاجتماعية والوجدانية. أما نغماً، فيمكن ردّ أسلوب زياد الأحمدية في هذا الألبوم تحديداً إلى البراءة القروية (مقطوعة «رقصة الناس»)، وإلى الشعبي (مقطوعة «سهرة»). مع العلم أن ما يطالعنا في بداية هذا الألبوم (مقطوعة «المعبد») مستقى من طقوس الشرق الأقصى. من جهة أخرى، لا يمكن الكلام عند الأحمدية عن توزيع موسيقيّ بالمعنى المعقَّد للكلمة. القصة بسيطة، وتدور حول موضوعة موسيقية، خفيفة أحياناً، تتوق عموماً إلى التطوّر ولا تبلغه إلا نادراً، مع مرافقة للفرقة ومساحة للارتجال.



من "Silent Wave"
(Organized Chaos)








صدقيّة زياد الأحمدية تجاه بحثه الموسيقي السمعي الذي ولّد أسطوانة «بالبال»، فرض التحوّل في العمل المشترك مع فرقة «فنجان شاي» اللبنانية التي شارك أعضاؤها عزفاً وإعداداً في Beyond Traditions. هكذا ابتعد كلياً عن الأغنية، وغرّب بالموسيقى نحو عوالم عدّة أبرزها الأميركي اللاتيني والإسباني، محافظاً بطبيعة الحال على جذوره الشرقية أولاً وأخيراً. مساهمة «فنجان شاي» (طارق يمني، جان مدني، خالد ياسين وفؤاد عفرا) في هذا العمل لم تقدّم الكثير لناحية الإعداد، لكنها أدت واجباتها في التنفيذ، وخصوصاً لناحية الغنى الإيقاعي (شكلاً وصوتاً).
في الاتجاه ذاته، يواصل زياد بحثه، وحوله تتمحور النتيجة الفنية: أسطوانته الجديدة «موجة ساكنة». هي محاولة جديدة، تندرج عموماً في خانة Ambient (النمط المناخي) الشرقي الغربي. حوى الألبوم مجموعة من المقطوعات الموسيقية من تأليف



من "Silent Wave"
(Bossa Theme)








الأحمدية، وشارك في أدائها البريطاني جيريمي تشابمن (ساكسوفون)، والأميركي مايلز دجاي (كونترباص)، وكلاهما مقيم منذ فترة في لبنان ولكلٍّ معرفته وعلاقته بالموسيقى الشرقية والثقافة العربية. باختصار، يمكن وصف هذا الألبوم بأنّه «أنور براهيمي» (نسبة إلى أنور ابراهم)، حيث يبدو واضحاً التأثر العفوي بالموسيقي التونسي، وخصوصاً أعماله التي تدور حول تركيبة مماثلة أو مشابهة. هذه الموسيقى «مريحة» للسمع، لكن العنصر الذي يسبب غيابه ضعفاً في الشخصية الموسيقية للمقطوعات، هو الهارموني، بمعنى الكتابة العمودية. هذا إضافةً إلى غياب شبه كامل لعنصر الحوار بين الآلات. في الموسيقى الكلاسيكية الغربية ـــــ التي يفترض أن يحتذي بها الذين يكتبون لتركيبات من هذا الشكل ـــــ الحوار حاضر دوماً. وإن غاب، يحلّ محله إمّا التقابل لتبيان الصراع، وإما العزف المتزامن لتوليد الطاقة الصوتية في لحظات الاصطدام الكبيرة.



من "Beyond Traditions"
(Ghazal Al Reek)








أما هنا، فإما عزف منفرد، وإما عزف ثنائي أو ثلاثي تتشابه فيه الآلات بما تؤدي (يمكن استثناء بعض اللحظات، مثل مقطوعة «فوضى منظمة»). والعزف المنفرد (أو العزف الأحادي الصوت للمجموعة)، إن لم يكن ارتجالاً، فيجب أن يكون شديد المتانة لحنياً. لذا يتخطّاه ابراهم (في بعض ما يقدِّم) من ناحية جمال اللحن، وكيفية تطويره وتحضير ذروته أو محطاته المفصلية. من هنا ينتظر المستمع من زياد الأحمدية الارتجال كمحطة لا خلاف على شكلها، وكل ما يأتي موفقاً خلالها هو مكسبٌ أكيد. طبعاً ليس المطلوب تقليد باخ (أو غيره)، بل خلق لغة موسيقية جديدة، أو توظيف تعقيدات باخ وديناميته المعهودة في اللغة الموسيقية الشعبية، بغية إنعاشها ولو بإضافة عبارات قديمة. عبارات باخ (على سبيل المثال لا الحصر) قديمة بالنسبة إلى الموسيقى الكلاسيكية، لكنها ستكون جديدة إذا استُخدِمت في أي نمط موسيقي معاصر لا يمتّ إليها بصلة تاريخية.