سفيان الشورابيالمتابع للمشهد الإلكتروني في تونس يكتشف وجود معركة ضروس بين أطراف معظمها مجهول الهوية. من جهة، هناك المدونات التي يختفي غالبية أصحابها خلف أسماء وهمية، ومن جهة أخرى هناك جهاز حكومي رقيب اصطلح على تسميته «عمار 404 باشي» (تيمناً بسيارة بيجو 404 الشعبية)، يحجب المدونات والمواقع. وسط هذا، هناك أيضاً قراصنة أغلبهم من ذوي الميول الإسلامية يترصدون المدونات التي تفوح منها دعوات «متصهينة» لتدميرها في سياق «جهادهم الإلكتروني»! إنه مجتمع افتراضي عكسَ حالة الكبت السياسي التي يعيشها التونسيون منذ الاستقلال سنة 1956 وتوقهم إلى نسمات الحرية المفقودة اليوم.
بعد بداية بطيئة، تمكّنت المواقع والمدوّنات من التعبير بحرّية عن قضايا سياسية واجتماعية عُدّت في خانة المحظورات. وبعدما أحكمت السلطة التونسية قبضتها الحديدية على وسائل الإعلام المحلية، استطاع عدد من المواقع الإلكترونية اكتساب جمهور كبير من المتصفحين الباحثين عن أخبار بلدهم يندر الحصول عليها في فضاءات إعلامية أخرى. غير أن الطبيعة الاستبدادية لنظام الرئيس زين العابدين بن علي سرعان ما برزت في هذا المضمار، وتحرّكت الأجهزة الأمنية لتعلنها حرباً شرسة ضدّ المواقع والمدونات التي لم تبلغ الجرأة نفسها في النقد التي بلغتها الحركة التدوينية المصرية أو الإيرانية مثلاً.
وتمكّنت الحكومة التونسية من حجب المواقع التابعة لأحزاب معارضة أو منابر إعلامية مستقلة. وامتدت يد الرقيب لتطال موقعي «يوتيوب» و«دايلي موشن». وتعرّض عدد من المدونات لعمليات تدمير وتخريب وإتلاف لمحتوياتها. مثلاً، موقع «تونس نيوز» الذي يعد المصدر الأول لأخبار المجتمع المدني في تونس تعرّض لقرصنة وتخريب مراراً. كما أُغلق موقع «فايسبوك» خلال الصيف الماضي قبل أن يتدخل رئيس الدولة شخصياً لإعادة فتحه إثر موجة احتجاج كبيرة.
ولتعميق هذه الرقابة، تلجأ السلطات إلى أساليب أكثر فجاجة. فتقطع خدمة الإنترنت عن مقار الأحزاب والجمعيات المستقلة وحتى بعض الأفراد في مساكنهم. كما تُجبر أصحاب مقاهي الإنترنت على الاحتفاظ بالمعطيات الشخصية وهويات الزبائن. وتُوظّف المئات من المهندسين لرصد المواقع التي يدخلها التونسيون. وكان المدون زهير اليحياوي قد سُجن عام 2000 لمدة 18 شهراً بعدما نشر مسابقة بعنوان «هل تونس هي دولة ملكية أم جمهورية أم حديقة حيوان أم سجن؟». ومع أنه استعمل اسماً مستعاراً، تمكنت الجهات الأمنية من كشف هويته وحبسه!


المرتبة السابعة

كان طبيعياً أن تؤثر الصورة القاتمة للإعلام الإلكتروني على مكانة تونس دولياً. في التقرير الأخير الصادر عن «لجنة حماية الصحافيين»، احتلت تونس المرتبة السابعة في قائمة الدول العشر الأكثر عداءً للإنترنت في العالم. وقال مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اللجنة كمال العبيدي لـ«الأخبار» إنه «يأسف لما بلغته وضعية حرية التعبير في تونس من تأخر، حتى أنها أصبحت في مستوى أقل بكثير مما كانت عليه في عهد ما قبل الاستقلال». وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ «لجنة حماية الصحافيين» ليست الوحيدة التي انتقدت تونس، بل سبقتها منظّمة «مراسلون بلا حدود»