نوال العليبدون مبالغة، بدون ضجيج تفتعله بعض المجلات التي تدخل الثقافة كأنّها حلبة مصارعة، تَصِلُكَ المجلة راقية مثل امرأة «كلاس»، تضعها على مكتبك وتتصفح وجودها. شكلها أقرب إلى المربع واسمها Bidoun «بدون». العنوان مكتوب بالعربية والإنكليزية، والمجلة ناطقة بالإنكليزية ـــــ يعني للنخبة فقط ـــــ رغم أنّها تعنى بالفن والثقافة في الشرق الأوسط. نحتاج فعلاً إلى من يتحدث للناطقين بالإنكليزية عن الفن الآن وهنا. افتح الغلاف، ستجد صورة بورتريه ذاتية للإيرانيّة بانتيا رحماني، من معرضها الحالي في دبي. «بدون» تنقل أخبار المعارض في هذه الجهة من العالم. يرأس تحريرها ليزا فارجام وتصدر من نيويورك وتطبع في بلجيكا ونراها في المكتبات هنا. هذه المجلة التي تضم سلسلة مقابلات مهمَّة مع تشكيليين وشعراء وروائيين، تعلن نفسها «منصَّة للأفكار ومنتدى لتبادل الآراء والحوار في الفن والثقافة في الشرق الوسط» وهدفها «إتاحة الفرصة لإبراز أشكال التعبير المختلفة وجمعها من منطقة كبيرة وغامضة».
لعبة الوسيط الثقافي التي تحاول المجلة أداءها ليست سهلة طبعاً. تتدخل فيها شروط وظروف ثقافية كثيرة، مثل مطبّ النظرة الاستشراقية التي تلقي عبئاً إضافياً على المجلة، بمعنى الإسهام في تحرير فنّ هذه المنطقة من الأحكام المسبقة.

لعبة الوسيط الثقافي وتحديات النظرة الاستشراقية
تصميم «بدون» فيه ذلك التواضع المقصود. المقابلات مكتوبة كأنَّها موضوعة في أطر أو كادرات غير مرئية، تتيح للعين التنقل في النص الواحد كأنّه مواضيع صغيرة مفككة. الصور لا تقتحم النصوص ولا تأتي على حسابها. كم يذكّرنا ذلك بمجلات قديمة تقدَّم هنا بحلّة عصريّة.
ثمة خشونة مثيرة في الورق، كأنَّنا نسمع أغنية قديمة ترافقها خشخشة. شعور يعززه الأسود والأبيض الطاغي على «بدون»، مع صفحات ملونة قليلة.
المجلة احتفلت بعيدها الخامس أخيراً، ويحمل عددها الـ 18(صيف 2009) ثيمة واحدة هي «مقابلات». هكذا نتصفح لقاءات مع الشاعرة اللبنانيّة إيتيل عدنان (لين تيلمان)، والروائي المصري صنع الله إبراهيم (أحمد العطّار)، والفنانة التركية بانو سينيتوغلو (مايكل فاسكيز)، ومصمم بورتريهات السياسيين اللبناني محمد موصللي (زينة معاصري)، وصاحب بازار الكتاب في بيروت عمر سليمان (لانا ضاهر)، والموسيقيّة البريطانيّة من أصول سريلانكيّة مايا أرولبراغازام (نيغار عظيمي). أحد اللقاءات يأخذ طابعاً خاصاً: إنّه حوار بين جيني الهادف مؤلفة «شمس منتصف النهار» والكاتب والمخرج الأميركي هامبتون فانشر، حيث يعتقد كلّ منهما أنّه يجري المقابلة مع الآخر. عسى أن توسع المجلة بيكارها، وتبحث عن فنانين من سوريا والأردن وفلسطين. أليست مجلة تجريبية تقترح أنها مكان اجتماع أصوات متعدِّدة من الشرق الأوسط؟