محمد خير«أما يعرب غازي خليل فهو صاحب محال مستحضرات التجميل. وكان من قبل عقيداً في جيش صدام حسين، وعندما عرف الشاويش الأميركي بذلك قال له: نحتاج إلى أمثالك من ذوي الخبرة والمعرفة للانضمام إلى قوة الشرطة الجديدة في الأعظمية، باستطاعتك أن تخدم فيها برتبة ملازم أو نقيب». وكانت إجابة العقيد السابق: السنوات الأربع الماضية حطمتنا. وعندما ألحّ الشاويش للحصول على موافقته على الانضمام، لم يجد مخرجاً سوى القول: إن شاء الله. وكان الشاويش الأميركي الذي يمضي ثالث خدمة له في العراق منذ اندلاع الحرب عام 2003، يعرف ما يكفي عن العراق والعراقيين ليفهم أن جملة «إن شاء الله» في هذا السياق معناها شكراً، وليس نعم».
اللقطة السابقة واحدة من عشرات يسجلها حمزة هنداوي، مراسل الـ«أسوشيتد برس» في العراق ما بعد الغزو، في كتابه «معذرة: متى يأتي الصباح؟ ــــ يوميات بغدادية» (ميريت ــــ القاهرة). لا يقصد هنا إعطاء «نموذج لعمل المراسل العسكري (...) أو تقديم القصص المثيرة لمغامرات صحافي في بقعة تعدّ الأكثر خطورة للصحافيين». أراد المؤلف أن تكون يومياته «لقطات مفصلة، منفصلة، لما يدور وراء الأحداث الدامية، تهتم في المقام الأول بالإنسان، الأخ، الأخت، الأب، الأم، الخال، العم، كيف يعيشون؟ وهل ما زالوا يحلمون ؟».

مراسل «أسوشيتد برس» يرصد ما وراء الأحداث الدامية
اللقطات الإنسانية التي انتقاها همداوي بين 2007 و2008 تتضمن المغامرة والعنف ومفارقات الموت والحياة. يكتبها بلغة شبه محايدة تميّز المراسلين. بعضها كتب أصلاً بالإنكليزية لقارئ غربي، ما جعل النص يغرق أحياناً في شروح لمصطلحات وعادات عربية غير ضروريّة للقارئ العربي.
مصاحبة المؤلف للقوات الأميركية وحلفائها في بعض مهامها، أضافت مزيداً من ذلك الحياد غير المعني بكون الأميركي محتلاً، حيث يبدو الصراع منزوعاً من سياقه أحياناً. في المقابل، نقرأ قصصاً ذات بعد إنساني محض، حيث تتبدى المفارقات المأسوية من دون حاجة إلى موقف سياسي. رضا مثلاً، مصوّر عراقي، ابنه مريض ويحتاج إلى عملية جراحية خارج العراق. قريبه يقيم في مانشستر (إنكلترا) وقد تكفل بكل تفاصيل العلاج. لم تبقَ إلّا تأشيرة الدخول، فإذا بالقنصلية تمنحها للأب من دون الطفل المريض!
يستحضر المؤلف أيضاً مسرحية «وحدة العناية المركزة» التي يؤديها طلاب المسرح في بغداد في «المسرح الوطني». هنا، يمكن الناس أن يتنفّسوا بعيداً عن المعارك. لكن في بهو المسرح، نشاهد ملصقاً عن مصرع أحد موظفيه على يد «الإرهاب والخيانة». قبل المسرحية، وقف الحضور دقيقة حداد على ذكرى تفجير مرقد الإمامين في سامراء. وهو تفجير أوقف بروفات المسرحية لأكثر من عام وهرب على أثره فنانون من العراق، وابتعد آخرون عن الخشبة خوفاً من الموت. كان العرض باللغة المحلية، فلم يفهمه المؤلف كثيراً، لكنّ العرض ترافق مع ثلاثة تفجيرات قريبة من المسرح، وبحلول الليل كان القتلى قد بلغوا الثمانين.
«... البلد مرتع للمسلحين. الشيعة الذين ضد الاحتلال والذين معه. السنّة المؤيدون للقاعدة والمنقلبون عليها. حلفاء إيران وعملاؤها يصفّون حسابات مع ضباط عراقيين كانوا من «أبطال» الحرب العراقية ـــــ الإيرانية». المزدوجان حول كلمة أبطال هي للمؤلف، الذي زار العراق أكثر من ثلاثين مرة في خمس سنوات.