دعت إلى اعتصام الليلة خلال بثّ حلقتها

هل هي مؤامرة ضدّ محطة «الجديد» أم تنفيذ لقرار قضائي محقّ؟ هل هو انتقام من الإعلامية التي فتحت ملفّ القضاء في برنامجها «الفساد» أم أنّها تدفع ثمنّ خطأ ارتكبته فعلاً؟ وسط كل هذا، يبقى موقف الإعلام اللبناني ملتبساً من هذه المسألة

ليال حداد
يصعب على مراقب قضية الإعلامية غادة عيد والقضاء اللبناني، إصدار حكم متسرّع على الموضوع. هل هي مؤامرة ضدّ محطة «الجديد» أم تنفيذ لقرار قضائي محقّ؟ هل هو انتقام من عيد بسبب فتحها ملفّ القضاء في إحدى حلقات برنامجها «الفساد» أم أنها تدفع ثمن خطأ ارتكبته فعلاً؟ هل الإعلامي فوق القانون أم أنّه ملتزم بواجبات مثله مثل أي مواطن لبناني؟
تختلف الآراء والأجوبة عن هذه الأسئلة. هناك مَن يرى أنّ الإعلامي فوق القانون يحقّ له ما لا يحقّ لغيره. فيما يرى آخرون أنّ مسؤولية الإعلامي أكبر من أي مواطن بسبب تأثيره في الرأي العام، والسلطة التي يمتلكها. مع ذلك، يبقى الوضع أشدّ تعقيداً. ولعلّ هذا التعقيد إياه يقف خلف التعاطي الملتبس والغامض لوسائل الإعلام اللبنانية مع قضية عيد ـــــ القضاء.
لكن لنبدأ من تفاصيل القصة الأولى. ليل الجمعة الماضي، طوّقت قوى الأمن الداخلي مبنى محطة «الجديد» في وطى المصيطبة (بيروت) في انتظار خروج غادة عيد بهدف اعتقالها، بعد رفع القاضي شهيد سلامة دعوى قدح وذمّ ضدّها. غير أنّ هذه الأخيرة اختفت بطريقة غامضة ـــــ قيل إنها نقلت بسيارة قريبها النائب والوزير إيلي ماروني ـــــ ثمّ عادت لتظهر عبر بيانات صحافية ورسائل قصيرة على الهواتف الخلوية. وكما هي الحال في لبنان، حيكت الأخبار والقصص ـــــ منها المعقول ومنها الخيالي ـــــ حول القضية. علماً بأنّها ليست المرّة الأولى التي يتعرّض فيها إعلامي في لبنان للملاحقة أو التوقيف، حتّى إنّ بعض الحالات كانت أخطر من قضية قدح وذمّ. إذ إنّ زميل عيد، في المحطة نفسها، فراس حاطوم اعتقل مع عبد خياط ومحمد بربر، بعد دخولهم شقّة «الشاهد الملك» محمد زهير الصدّيق. هل كان التوقيف قانونياً، أم كان استهدافاً للمحطة وللإعلامي الشاب؟ بقي الجواب غامضاً، رغم إخلاء سبيل الإعلاميين الثلاثة.
لكن محطة «الجديد» ليست وحيدةً في ساحة المواجهات مع القضاء وقوى الأمن وإن كانت أكثر من يثير ضجّة إعلامية حول هذه المواضيع. هكذا، لا يكاد يمضي شهر أو اثنان من دون أن يصدر القضاء اللبناني مجموعة من الأحكام ضدّ صحافيين في الإعلام المرئي أو المكتوب، وآخرها في قضية مشابهة لقضية عيد. إذ أصدرت محكمة المطبوعات حكماً غيابياً، يقضي بحبس الصحافي في جريدة «المستقبل» فارس خشان لمدة سنة، ودفع مبلغ عشرة ملايين ليرة لبنانية تعويضاً للقاضي عبد الرحيم حمود، بتهمة القدح والذمّ ضدّه، خلال مقابلة أجراها في برنامج «بكل جرأة» مع مي شدياق في عام 2007. وتطول اللائحة، من OTV وصولاً إلى «الجديد» نفسها. ومع ذلك، يبقى لموضوع غادة عيد، والدعوى المرفوعة ضدّها، بعد خاصّ وإن كان مضمونها لا يختلف عن عشرات الدعاوى المرفوعة ضدّ صحافيين ووسائل إعلامية. ذلك أن الطريقة الاستعراضية التي استخدمتها قوى الأمن في محاصرة القناة بدت «بوليسية» بالمعنى الهوليوودي للكلمة. كما أنّ الضجة الإعلامية الكبرى التي أثيرت حول الموضوع حوّلته إلى قضية رأي عام. وخصوصاً أنّ عيد نفسها لجأت إلى وسائل ـــــ لا تختلف كثيراً عن نهجها الهجومي الذي تلجأ إليه كثيراً في برنامجها ـــــ دعائية وترويجية بهدف التضامن معها، منها الدعوى إلى الاعتصام عند التاسعة من مساء الليلة أمام مبنى القناة، أو البيان التضامني الصادر عن «الجمعية اللبنانية لدعم مكافحة الفساد»، أو حتى بيان محطة «الجديد» المدافع عن عيد والمؤيد لها.
وفي ظلّ هذه المعمعة والأخذ والردّ الذي أعطى القضية حجماً أكبر مما تستحقّ، يبقى موقف الإعلام اللبناني ملتبساً، بل قل غير واضح أو خجولاً. «أنا أرفض اعتقال أي صحافي في مكان عمله» يقول مدير مكتب «الجزيرة» في بيروت غسان بن جدو. لكنه في الوقت عينه يتريّث في إعطاء أي حكم على القضية قبل الاطلاع على كل تفاصيلها، ومع ذلك فإنه يعلن بوضوح تضامنه معها «وأتمنّى معالجة الموضوع بطريقة أهدأ من جانب الطرفَين».
يلتقي الإعلامي وليد عبود مع بن جدو، ويرى أن المشكلة تكمن في البلبلة التي رافقت الملفّ. عبّود يرى أيضاً، أن في الموضوع شقّاً قانونياً يجب مراعاته، أي إنه ليس موضوعاً إعلامياً بحتاً، وبالتالي «أنا أتضامن مع غادة إعلامياً، وفي الوقت عينه، نحن كجسم إعلامي لدينا ثقة كاملة بالقضاء».
تجدر الإشارة إلى أنّ مجموعة من الإعلاميين رفضت التعليق على الموضوع، لأسباب مختلفة. لعل أبرزهم الإعلامي مارسيل غانم، الذي أعلن أنه لن يتحدّث في الموضوع «وأخصص في حلقة الليلة (أمس) من «كلام الناس» قسماً خاصاً للحديث عن الموضوع».

«الفساد» 21:00 الليلة على «الجديد» واعتصام أمام مبنى المحطّة في منطقة وطى المصطيبة (بيروت)


zoom

أنا مناضلة، أنا مقاومة



باسم الحكيم
رغم مذكرة التوقيف الصادرة بحقّها، لن تغيب غادة عيد عن هواء «الجديد» هذا المساء. وإذا لم تتمكن من الوصول إلى مبنى المحطة، فإن كاميرات «الفساد» ستتيح لها تقديم حلقتها من المكان الذي توجد فيه عبر «لينك خاص». في الأسابيع الأخيرة، مثّلت عيد مادة دسمة، وخصوصاً بعد حلقتها الشهيرة التي استضافت فيها نبيل الفلا الشاهد الذي اتهم النائب إبراهيم كنعان بعدم تسديد شيكات، قبل أن يُلقى القبض عليه.
واليوم، تؤكد عيد أنّها لن تطلّ في حلقتها إلا من داخل مبنى المحطة، ومهما كانت الظروف والضغوط، معتبرة أنّ «مذكرة التوقيف الصادرة بحقّي غير قانونيّة، ولن أقبل بأن أسير وفق مبدأ نفّذ ثم اعترض». بين السؤال والآخر، نسمع صوت محاميتها مايا حبلي إلى جانبها تُذكّرها بكلام كرّرته مراراً للصحافة ووسائل الإعلام. «لم أبلَّغ مذكرة الإحضار بل تبلّغها زوجي.... وحتى لو تبلّغت، فهناك إجراءات قبل إصدار مذكرة التوقيف». وتكشف عيد أنها تقدّمت إلى «إدارة التفتيش القضائي بعدم قانونية المذكرة، وأتحدى أن يصدر عن إدارة التفتيش ما يؤكد قانونيتها، لأننا لم نتبلّغ شيئاً». وتسأل «إذا أخطأ أحد القضاة، أليس من واجب السلطة الأعلى منه أن تعود عن هذا الخطأ؟». وتشرح شريكتها في الإعداد، كارولين طنّوس، أنّ ملفات الفساد في هذا البلد كثيرة، غير أن اللقاء التضامني والكلمات المؤيّدة لغادة عيد، ستأخذ الحيّز الأكبر من الحلقة.
عبارة «أنا مناضلة، أنا مقاومة» ستُسمع كثيراً في إجابات غادة عيد التي تؤكد لـ«الأخبار» أنها «تحت القانون». وتردف «إنما أعلن العصيان والتمرّد، لأنني مؤمنة بأن الحق أقوى من كل شيء. منذ انطلاق برنامجي قبل 4 سنوات، أطلب من الناس ألّا يتخلّوا عن حقهم، فمن الطبيعي ومن واجبي أن أرفض مصادرة حقّي». وتوضح «أنا مقاومة لأي ظلم، وأعلّم الناس المقاومة. ولن يُلقى القبض عليّ إلّا إذا طوّقت وفقدت الوعي، ولم تعد لديّ القدرة على المقاومة». وتدعو عيد من تسمّيهم «الأحرار والصحافيين الشرفاء» الذين يؤمنون بحرية القلم والكلمة إلى الحضور هذا المساء أمام مبنى «الجديد».