عمّان ــ أحمد الزعتريأن تدخل منزل غائب، يعني أن تشعر بثقل غيابه، أن تأخذ الأشياء شكل حارسها النائم. أن تترك الباب موارباً، يعني ألا تنتظر أحداً، أو... أن تتركه يتسلّل خفيفاً. هكذا كان باب منزل محمود درويش في عمّان موارباً، فتحه شقيقه أحمد ذلك اليوم ولم يغلقه. نام في سريره وفكّر «كيف كان ينام وحده؟». يزور أحمد منزل شقيقه كل فترة؛ يفتح الستائر ويحاول تقليد القهوة الدرويشيّة. لا شيء هنا يوحي بترفٍ. عندما انتقل من باريس إلى عمّان لم يصطحب معه إلا مكتبته، ومرآة مزخرفة تحتلّ جداراً في الردهة، والمكتب. تحتلّ المكتبة جداراً كاملاً. تستقرّ على رفّ «فصوص الحكم» و«المواقف» للنفّري و«ألف ليلة وليلة»... وفي الشِّعر، يحتفظ درويش بدواوين المتنبّي، المعرّي، أبو نوّاس، طرفة بن العبد... ومن الشعراء المعاصرين، يحتفظ بأعمال أمجد ناصر، عبّاس بيضون، سعدي يوسف، سليم بركات، قاسم حدّاد، والراحلين: معين بسيسو، ممدوح عدوان والماغوط، إضافة إلى أعمال لبول شاوول، محمد بنيس، عبد الفتاح كيليطو وإدوار سعيد...
غرفة المكتب متقشّفة: بضع لوحات، صوفا وكرسيان وتلفزيون. يقول أحمد: «تركتُ كل شيء كما كان». لا يعرف أحد مصير المنزل، لكنّ «مؤسسة محمود درويش» التي تتكوّن من صديقيه حاملي نوبل وولي سوينكا وبرايتن برايتنباخ، ستقيم قريباً ضريحاً في مكان القبر ومتحفاً وحديقة ومسرحاً وتمثالاً للشاعر.
عمّان التي استقرّ فيها درويش لأنّها «هادئة وشعبها طيّب»، تستترُ وراء حجرها الأبيض، غبر مبالية بمنزل يسكنه «الغياب»... عندما حاول أحمد وصف عنوان المنزل، لم يعرف «عمّان كلّها حجر، وين بدّي دلّك؟».