بشير صفير



مقطع من "أحمد العربي (لـ مرسيل خليفة)"







بعد أصيلة المغربيّة، وقبل الانتقال إلى مصر، يحلّ الفنان مرسيل خليفة ضيفاً على «مهرجانات بين الدين» لتقديم غنائية «أحمد العربي»، بالاشتراك مع أميمة الخليل وريم تلحمي وباسل زايد بمرافقة «أوركسترا فلسطين للشباب». برنامج الحفلة الذي يفتتح بغنائيّة «أحمد العربي»، يشمل، كما ذكرنا (ص ١٦)، أعمالاً لسهيل خوري في الجزء الثاني. لكن إدارة المهرجان العريق ركّزت في دعايتها على اسم خليفة.
لا حاجة للتعريف بغنائية مرسيل خليفة الشهيرةـ «أحمد العربي» (1984) عملٌ عمره ربع قرن، ومطبوعٌ في ذاكرتنا شعراً ونغماً. وتأتي إطلالة خليفة من بيت الدين تحيةً إلى محمود درويش في ذكرى غيابه الأولى. وقد قدّم الموسيقي لصديقه الراحل تحيات عدّة منذ رحيله، كأنّه يقول: «لا أريد لهذه التحيّة أن تنتهي». هذا خيار شخصي في التكريم، و«ردّ الجميل» كما يقال. ولا بدّ ـــــ في المناسبة ـــــ من استعادة نقديّة لهذا العمل.

نجح مرسيل خليفة في مزاوجة اللحن والكلمة في جزءٍ من العمل، ولكن...
من الناحية الموسيقية، يمكن القول إنّ قيمة الأمسية ستتمثل في الأداء. الأداء فقط، لأن القيمة الفنية (الأدبية والموسيقية) لهذه الغنائية أمرٌ مكرّس، إلا إذا كانت هناك إضافات. وبالنسبة إلى الأداء، يُحتمَل أن يكون ما سنسمعه في الحفلة أفضل من تسجيل الأسطوانة لأسباب عدة: أولاً، يقال إن المستوى الفنّي لـ«أوركسترا فلسطين للشباب» جيدٌ جداً. ثانياً، عُمر العمل سمح بترسُّخه في وجدان الجمهور ومسيرة صاحبه، وبالتالي فرؤيته من زاوية أوضح أمرٌ مؤكّد (ولو لناحية الأداء). ثالثاً، المناسبة والإطار العام (بيت الدين) يؤديان دوراً أكيداً في هذا السياق. رابعاً، أداء الأوركسترا في التسجيل الأصلي عادي جداً، وبالتالي، تخطيه سهلٌ.
في المقابل، هناك ملاحظات تتعلّق بالعناصر الموسيقية لغنائية «أحمد العربي»، أي اللحن والتوزيع. في ما يخص اللحن، نجح الفنان الشاب (آنذاك) في مزاوجة اللحن والكلمة (أو المؤثرات والكلمة غير المُلحَّنة) في جزءٍ كبير من العمل الضخم (53 دقيقة ونصف)... لكنّنا نلاحظ أحياناً بعض نقاط الضعف: إذ تبدو الكلمة في وادٍ واللحن (أو الجو العام) في واد آخَر. فأين، مثلاً، ثورية المعاني والتحدّي والمروءة في «فليأتِ الحصار»، مِن اللحن الذي يصلح لأغاني الأطفال؟ يمكن القول هنا، كي لا نهمِّش الإيقاع، إنه المقطع يبدو نشيداً مسالِماً للأطفال، في أحسن الأحوال. ويمكن لكي يبدو هذا النقد ملموساً، أن يقارن المستمع هذا المقطع نفسه بين تلحين مرسيل له، والطريقة التي قدّمه بها خالد الهبر الذي لحّن القصيدة نفسها.



مقطع من "أحمد الزعتر (لـ خالد الهبر)"







أما في ما يتعلق بالتوزيع، فالملاحظات كثيرة، منها الإيجابي والسلبي. الإيجابية تتعلق بجملٍ محددة (من ألحانٍ وتقابُلٍ نغميّ) أو بجَو عام، مثل الافتتاحية الرعوية المناسبة لصوَر النص (لكن هذا النَّفَس لا يبدو ملائماً في أجزاء أخرى). أما السلبية، فتكمن بمعظمها في جزءٍ من الفواصل والمرافقة الموسيقية التي تكرِّر الجمل المغناة (في الحالة الأولى، أي الفواصل) أو تضاعِفها (في الحالة الثانية، أي المرافقة)، وفي الاستفاضة في التكرار (بمعنى الإعادة لا التكرارية المقصودة)، وفي أحاديّة الصوت التي نتج منها فقر جزئي في الألوان... علماً بأن الأنغام غير الشرقية في العديد من المحطات، إضافة إلى وجود الأوركسترا، عنصران يتيحان الكتابة العمودية.
هناك نقطة أخيرة. منذ فترة، بات خليفة يفرض على الجمهور الهدوء في حفلاته كي لا تتعكّر أجواء «الكلاسيك». فكيف ستكون الحال في حفلة بيت الدين الليلة؟ هل يفسح المؤلّف الكلاسيكي مكاناً لمغنٍّ سياسي شُغل طويلاً بإسماع صوت الناس الذين هدرت حقوقهم الإنسانية؟ أيهما يأتي أوّلاً، احترام الموسيقى... أم مواصلة النشيد كي لا يخمد صوت أحمد العربي؟