موعد أخير الليلة في بيروت مع عازف البيانو والموسيقي اللبناني الشاب، ضمن سلسلة من ثلاث أمسيات أحياها في «مسرح بابل». «فوضى» عمل مستمدّ من عدوان تمّوز 2006، ينتمي إلى الموسيقى الكلاسيكية التجريبية
بشير صفير
بعد أكثر من سنة على تقديم عمله الجديد في «الجامعة الأميركية في بيروت»، عاد المؤلف وعازف البيانو الشاب رامي خليفة بـ«فوضى» إلى بيروت. الليلة يقدّم حفلته الثالثة والأخيرة، ضمن سلسلة بدأها أول من أمس في «مسرح بابل». «فوضى» عمل ينتمي نمطاً إلى الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة، التجريبية تحديداً. يستخدم فيه رامي البيانو حصراً، لكنّه يستنزف طاقات آلته، دافعاً إمكاناتها إلى أقصى الحدود، متخطّياً استخدامها الرائج. هذا ليس جديداً في الموسيقى، فالتفتيش عن صوت جديد في العزف على البيانو بدأ منذ عقود، مع مؤلّفين أسسوا تيارات طليعية خلال القرن العشرين (خلال النصف الأول)، مثل الأميركي جون كايج مبتكِر ما يُعرَف بالبيانو المجهَّز، وغيره.
البيانو له مفاتيح، وأوتار داخل جسمه الخشبي. هذا الجسم الخشبي يصبح أيضاً آلة إيقاعية إن شئنا، وبالتالي مصدراً للأصوت القرعيّة. للعازف يدان يستعملهما لإصدار الأصوات والأصوات الإضافية. وله أيضاً أقدام يمكن الإفادة منها عند الحاجة. كل ذلك يكوِّن اللوحة التي يرسمها رامي في «فوضى». العمل المستمدّ من عدوان تموز 2006، يصف الفوضى التي أحدثتها الحرب. إذاً، لا مسار طبيعياً للمقطوعة، ولا شكلاً هندسياً واضحاً تُبنى على أساسه المادة الموسيقية/ الصوتية. كل عنصر قد يحدث صوتاً يخدم فكرة العمل، يتمّ اللجوء إليه. هذا الاتجاه فرضته المناسبة التي ولَّدت «فوضى». هذا صحيح. لكنّه اتجاه عام في الرؤية التأليفية عند خليفة، بدأها جديّاً مع أسطوانته Scene From Helek عام 2005.

يستنزف طاقات آلته ماضياً إلى الحدود القصوى
رامي خليفة (1981) بدأ مشواره مع الموسيقى بدراسة معمّقة لأصول العزف على البيانو. بعد باريس انتقل إلى «جوليارد»، أحد أهم المعاهد الموسيقية في أميركا والعالم، حيث أكمل دراسته. تفرّغ بداية لأداء أعمال للبيانو من الريبرتوار الكلاسيكي، فقدّم حفلات في لبنان والعالم. لم يهمِّش أياً من الحقبات الموسيقية من الباروك حتى القرن العشرين والتجارب المعاصرة. له في هذا المجال ألبوم من أسطوانتين ضمّتا أداءه المنفرد لبرنامج شامل خلال حفلة في بيروت (2001)، وآخر ضمّ تسجيلاً لكونشرتو البيانو الخامس للروسي سيرغي بروكوفييف وكونشرتو البيانو الوحيد للمؤلف اللبناني المعاصر عبد الله المصري (2007). أمّا آخر إصداراته عام 2008 فهو Pop Art، وضمّ 11 مقطوعة لآلتي بيانو، يتولّى أداءها إلى جانب خليفة، العازف الإيطالي فرانشيسكو تريستانو.
التقط رامي أمراً هاماً، غيّر مساره الفني. إذ عرف أنه لا شيء مهم يمكن إضافته في مجال الأداء الكلاسيكي بعدما قدم كبار عازفي البيانو في العالم، وعلى مدى حوالى قرن كامل، رؤية شبه نهائية في أداء أعمال باخ وموزار وبيتهوفن وشوبان وغيرهم. هذا ما دفعه إلى خوض عالم التأليف الموسيقي الكلاسيكي المعاصر، مع اتجاه إلى النفس التجريبي والطليعي. لكن ذلك لم يدفعه إلى إلغاء اهتمامه الأساسي، إذ أتى نشاطه كمؤلف ليضاف إلى مهنته كمؤدٍّ مكتمل الشخصية.
تجدر الإشارة إلى أن رامي أصبح ـ إلى جانب شقيقه بشار (عازف بيانو في البداية، تفرّغ للإيقاع لاحقاً) ـ عنصراً أساسياً في مشروع والده مرسيل خليفة، إذ رافقه في جولاته العالمية، آخرها إطلالته في بيت الدين في الحفلة التي قدم فيها مرسيل «أحمد العربي».
كذلك، فرامي المطّلع على التجارب الحديثة، التي تزاوج الموسيقى الكلاسيكية بأنماط أخرى، له محاولات في هذا الخصوص. إذ عمل أخيراً على تأليف مقطوعات تجمع آلتي بيانو بالموسيقى الإلكترونية (التكنو تحديداً). أما علاقته بالجاز، فكانت عابرة، خرج منها بعدما اختبرها عن قرب، معتبراً أن لا مكان للجاز في الحياة الموسيقية اليوم.
يأخذ بعضهم على رامي مبالغته في التعبير خلال أدائه، خصوصاً عندما يرتجل أحاسيسه على البيانو، أو خلال تقديم أعماله الخاصة. في المقابل، يرى آخرون أن تفاعلاته خلال الأداء، هي نتيجة اضطرابات داخلية تحرك الجسم من دون إرادته.


8:00 مساء اليوم ــ «مسرح بابل» (الحمرا) ــ للاستعلام: 01/744304