الأشعري ومحمد برادة يحاولان حل الأزمةالرباط ــ محمود عبد الغني
«اتحاد كتاب المغرب» يعيش أزمة حقيقية منذ انتهاء مؤتمره السابع عشر. أزمة تشبه تلك التي مرّ بها عبر تاريخه وتختلف عنها في آن. «صعوبات كبيرة» وليس أزمة، يفضّل رئيس «اتحاد كتاب المغرب» عبد الحميد عقار تسميتها، وخصوصاً بعدما أضحى حضور المؤسسة العريقة «غير مأمول ولا مرغوب فيه». الأزمة إذاً قائمة وإخفاء هذه الحقيقة سيكون مضيعةً للوقت، وتأزيماً مضاعفاً للوضع الذي يحتاج إلى تدخل حقيقي وصادق ومرن من أجل الخروج بحل. الأطراف المعنية، أي أعضاء المجلس التنفيذي وبعض المتدخلين ممن يهوون تحريك الخيوط من بعيد، وصلوا إلى حدّ التصادم والتجاهل. هكذا، صار الاتحاد بمثابة رجل مريض لا أمل في شفائه.
في بيانٍ نشر في الصحف المغربيّة في شباط (فبراير) الماضي، أشار عقار إلى ضرورة عقد مؤتمر استثنائي. ستة أعضاء ـــــ من أصل التسعة المكونين للمكتب التنفيذي للاتحاد ـــــ وجدوا في نداء الرئيس خطوة غير قانونيّة، وأصدروا بدورهم بياناً رأوا فيه أنّه لا يحق للرئيس، ولا لأي عضو، الدعوة إلى مؤتمر استثنائي.
لكن لماذا دعا عقار إلى عقد مؤتمر استثنائي؟ الأسباب واضحة. الاتحاد جامد، ومكاتب الفروع لم تجدّد، والمكتب التنفيذي لم يتمكّن من تسطير مشروع ثقافي، ولا وضع الميزانية المقدّرة له، و«هناك جمود وانتظارية لم يعودا مشروعَيْن أو مقبولَيْن» كما جاء في بيان الرئيس. وحده الناقد عبد الفتاح الحجمري خرج عن سرب باقي أعضاء المكتب التنفيذي وأيّد فكرة المؤتمر الاستثنائي... لكنَّ الآخرين عادوا فأصدروا بيانات يرون فيها أن استقالة الرئيس هي المخرج الوحيد من الأزمة الحالية، وأوضحوا أن القانون الأساسي للاتحاد ينصّ على أنّه «يمكن عقد المؤتمر في دورة استثنائية بطلب من ثلثي أعضاء الاتحاد الذين أدّوا واجب انخراطهم في آخر المؤتمر». وفعلاً بدأ السباق نحو تعبئة الثلثين سواء من طرف الداعين إلى المؤتمر الاستثنائي أو من جانب باقي الأعضاء الذين يمثلون المعسكر المناهض للرئيس. لكن سرعان ما خبت نار المعركة في هدنة مفتوحة الأجل. هناك من قال إنّ الناقد محمد برادة تدخّل لإيجاد تسوية. وهناك من قال إن الشاعر محمد الأشعري هو من أخمد النار. حتّى الآن، يبقى الاتحاد في سبات طويل، ولا أحد يفهم ما يجري في الخفاء.
يجمع أعضاء الاتحاد على أنّ الجمود الحالي هو نتيجة خلاف تنظيمي حول توزيع المهام، وخصوصاً بعد استقالة أمين المال الشاعر جمال الموساوي. كأنّ الجميع كان ينتظر هذه الاستقالة للمناداة بإعادة توزيع كامل للمهام، بما فيها مهمّة الرئيس. هذا الأمر بدا مستحيلاً لأنّ الرئيس تمّ انتخابه في المؤتمر. ومع مرور الأيام، تبين أن المسألة هي خلاف حول الرئيس نفسه الذي اعتبره البعض مسؤولاً عن الأزمة.
بدأت الخيوط الخفية تتحرك. خيوط وجدت في الأزمة الداخلية سنداً لنسف الاتحاد بالكامل؛ هذا الاتحاد الذي حافظ على ثوابته واستقلاليته ومواقفه الوطنية والقومية وبقي على مدى خمسين سنة ملتقى للأفكار والقيم. هكذا التقت نوايا محاربة النجاح الفردي والجماعي. فظهرت مفارقة غريبة. في الماضي، كان الاتحاد ينتقد لكونه تابعاً للأحزاب. وبعدما انفكت عقدة التبعية للحزب، ظهرت عقدة أخرى هي التبعية للفرد. لكنّ اتحاد اليوم لم يستطع مواجهة المشاكل الجديدة لأنّه أصبح أكثر هشاشة من أي زمن مضى، وهشاشته جزءٌ من هشاشة عامة أصابت الأحزاب وباقي المنظمات المدنية.

يرى بعضهم أنّ هناك جهة تريد الإجهاز على أحد المعاقل الأخيرة للمثقفين التقدميين في المغرب

في عمق المسألة، يبدو الاتحاد مستهدفاً بسبب الأفكار التي يدافع عنها. ما الذي يمنع عقد اجتماعات موسعة بين الاتحاد والمثقفين والآباء الشرعيين لهذه المنظمة؟ محاولات الصلح لم تحظَ بأي نجاح من طرف الناقد والروائي ورئيس الاتحاد السابق محمد برادة المقيم اليوم في بلجيكا، أو الأشعري، الرئيس السابق أيضاً والمشغول بقضايا حزبية موسعة.
برادة حمّل المسؤولية للجميع، ودعا الرئيس الحالي عبد الحميد عقار إلى الإسراع في عقد مؤتمر وإعادة الحياة إلى الاتحاد الذي صار ـــــ حسب تعبير برادة ـــــ «في مرحلة موت بطيء منذ ثمانية أشهر».
أما الروائي والناقد أحمد المديني ـــــ الذي خرج غاضباً من الاتحاد عام 1998، وأسس «رابطة أدباء المغرب» ـــــ فيرى أنّ الأزمة الحالية تعود إلى فترات سابقة بقيت فيها طيّ الإخفاء، لدواعٍ هي جزء من تاريخ الثقافة ووضعية الكاتب في المغرب وتأطيراتهما المؤسسية. غير أنّ الأزمة الراهنة، يقول المديني، أدّت إلى تعطيل عمل المؤسسة كلياً...
يتساءل بعضهم عن وجود جهة مغرضة تريد الإجهاز على أحد المعاقل الأخيرة التي يتحصن فيها الكتّاب والمثقفون التقدميون في المغرب. من جهته، يؤكد المديني، أنّه مهما كانت أسباب خلاف بعض أعضاء المكتب التنفيذي مع رئيسهم، فإن القيّمين الحاليين على الاتحاد يتحملون مسؤولية تاريخية عن مصيره ومدعوون إلى نبذ تلك الأسباب ولو مرحلياً، للانتقال إلى مؤتمر تصحيحي يجدد دم الاتحاد، ويحيي ثوابته ويصقل هويته التي لم تكن أبداً مطيّة لركوب أي مصلحة، أو نيل أي سلطة وهمية...
لا مناص هنا من مراجعة قانون الاتحاد الداخلي، والاحتكام إلى القاعدة لانتخاب رئيس يستمد سلطته منها، واختيار مكتب تنفيذي يمثل حقاً الكتّاب المغاربة. ويرى الناقد شرف الدين ماجدولين ـــــ الذي كان مرشحاً للمكتب التنفيذي وتنازل لمصلحة الشاعر سعيد عاهد ـــــ أنه لا يمكن فهم الأزمة الحالية التي يشهدها «اتحاد كتاب المغرب» من دون استيعاب التحولات التي شهدها المجتمع المغربي بعد تولي المعارضة السابقة الحكم، وانتقال جزء كبير من النخبة المثقفة لتسيير الشأن العام، وما تولّد عن هذه التجربة من تغيير في تعاطي تلك النخب مع الإطارات الجماعية التي كانت تنتمي إليها سابقاً. من هنا، يؤكد شرف الدين، أنّه يجب على الرأي العام اليوم أن يستوعب أن الاتحاد الذي كان يمارس وظيفة احتجاجية ونضالية متكاملة مع نضالات الإطارات السياسية والنقابية المنتمية إلى الصف الوطني الديموقراطي، لم يعد له وجود، وأنّ جيلاً جديداً من الأعضاء لم يعيشوا التجربة السابقة، باتوا يطالبون الاتحاد بتحقيق مطالب ذات طبيعة اجتماعية وتفعيل صفة النفع العام. فحلفاء الأمس هم في الحكومة اليوم، ما يفسر تمركز الانتقادات حول المنافع المادية (سفر/ علاج/ طباعة/ تعويضات عن المشاركة...) بشكل لافت.
إذا أدركنا أن الشريحة الغالبة اليوم بين الكتّاب هي في الواقع غير منتمية إلى الأحزاب التي مارست الحكم ابتداءً من مرحلة التناوب، نفهم أنّ الأزمة نتيجة حتمية لهذا التحول الذي لم تواكبه مراجعة وظيفة الاتحاد اليوم. إننا إزاء واقع مختلف، يقتضي مراجعة الأدوار والأهداف، فلم يعد مستساغاً أن تنحصر وظيفة «اتحاد كتاب المغرب» في تنظيم الندوات وطبع بعض إنتاجات الأعضاء، فهي مهمة يمكن أن ينهض بها أي من الإطارات الجمعوية التي تعجّ بها الساحة الثقافية... المطلوب البحث عن أفق جديد.


تعقيباً على ما نشرته «الأخبار» (15/ 8) بين منابر إعلاميّة أخرى، عربيّة وعالميّة، حول رفض خوان غويتيسولو «جائزة القذافي العالميّة للأدب»، وذلك تضامناً مع الشعوب العربيّة ضد أنظمتها المستبدّة، نفى ابراهيم الكوني أن يكون قد ترأس لجنة التحكيم التي اختارت الفائز بالجائزة المشار إليها، كما ورد في التقارير الصحافيّة. وجاء في بيان أصدره الروائي الليبي المقيم في سويسرا: «... لم يحدث أن ترأست جائزة واحدة طوال تجربتي الدنيوية، سواء كانت ليبية أو عربية أو أجنبية، (انطلاقاً من قناعته) ليس بعدم تولي المناصب وحسب، بل أيضاً بعدم جواز تحكيم روائي على روائي آخر». لكن الكوني يوحي بأنّه لم يبخل بالمشورة الأدبيّة على صديقه «الأكاديمي المعروف الدكتور محمد الحضيري»، من دون أن يوضح موقع هذا الأخير في «اللجنة المشكّلة للجائزة التي ما زالت تحت التأسيس على ما أعلم».