صعوبة تمويل المسلسل وامتناع المحطّات عنه، إضافةً إلى توقيف بعض الأعمال... كل هذه الأمور جعلت فلسطين بعيدةً عن انشغالات الدراما العربية. وهذا الموسم، تحضر فقط في عمل من مصر واثنين من سوريا
وسام كنعان
شُغلت الدراما العربية في مسيرتها بالكثير من القضايا المهمّة والمفصليّة. هكذا، عالجت مراحل عديدة من تاريخ العرب وحاضرهم بأساليب مختلفة ومتفاوتة الجرأة، فيما ظلّت قضية العرب المركزية في آخر اهتمامات هذه الدراما، وظلّ هَمّ فلسطين يقتصر غالباً على الدراما السورية والأردنية أحياناً، إذ لاقت أغلب الأعمال التي تتناول الأرض المحتلة مشاكل عديدة، بدءاً من صعوبة تمويل العمل، مروراً بإعراض المحطات عن شرائها، وانتهاءً بطلب إيقاف بعض المسلسلات نزولاً عند رغبة بعض الجهات الغربية. وظلّ مسلسل «التغريبة الفلسطينية» (2004) الاستثناء الوحيد تقريباً لما أُنجز عن فلسطين، إذ لاقى رواجاً جيداً، وحظي بنسبة مشاهدة قياسية. العمل الذي كتب نصّه وليد سيف، أعاد إنتاجه في الأردن باسم «الدرب الطويل»، لكنّ هذا الأخير لم يلق أي متابعة ولم يحقق الانتشار الذي حقّقته «تغريبة» حاتم علي التي عدّها بعض النقّاد أجمل الأعمال التلفزيونية التي قُدِّمت عن فلسطين. المخرج السوري يرى أنّه ظلّ ـــــ لفترة طويلة ـــــ يحمل مفهوماً خاطئاً عن إمكان صناعة عمل عن الواقع الفلسطيني نتيجة عزوف المحطات عن شراء أعمال مماثلة لأسباب سياسية، أو لأنّ

قناتا «الأقصى» و«القدس» رفضتا عرض «سفر الحجارة» الذي يتناول عرب 48 والمقاومة
هذه المسلسلات لا تحمل القدر الكافي من الإدهاش والجاذبية للجمهور، وهو الهمّ الأكبر لدى أي محطة. يوضح حاتم أنّ تلك الاقتناعات تغيّرت بعد «التغريبة الفلسطينية» الذي عُرض عشرات المرات ولاقى إقبالاً كأي عمل آخر يعالج قضايا أخرى مختلفة. ويضيف أنّه من الخطأ تحميل المحطات وحدها مسؤولية عدم عرض تلك الأعمال وعدم تسويقها تسويقاً صحيحاً. فالقضايا الكبيرة لا تحمي أي عمل يتناولها، وغالباً ما يكون تناول قضية كبيرة في مسلسل بحاجة إلى اكتمال فني يوازي حجم هذه القضية. وعندما يُنجز عمل عن الأرض المحتلة ضمن المعايير التي يخضع لها أي عمل درامي آخر، يتحول المسلسل إلى عمل جماهيري، وهو ما حصل مع «التغريبة»، على حدّ تعبير حاتم علي.
يرى علي أنّ بعض الأعمال تناولت القضية بطريقة شعاراتيّة من دون الحديث عن الشعب الفلسطيني، وبهذا «تحوّلنا إلى أسوأ محامين يدافعون عن أكثر القضايا عدالة في العالم».
ويخلص صاحب «التغريبة» إلى أنّ الجوهر الإنساني للقضية عاملٌ يحوّلها من شعارات إلى دراما حقيقية.
إشكاليّات دراما القضية الفلسطينية تبقى على حالها، بل تبدو مسألة التوزيع أكثر سوءاً مما كانت عليه. فهذا الموسم، تُطالعنا ثلاثة أعمال فقط عن القضية، الأوّل من مصر مع «البوابة الثانية» للمخرج علي عبد الخالق (الحياة/ شام/ نايل لايف)، فيما أنتجت الدراما السورية «رجال الحسم» للمخرج نجدة أنزور (أبو ظبي الأولى/ شام/ الشبابية) و«سفر الحجارة» للكاتب هاني السعدي الذي كتب النص منذ عام 2003 ولم يتمكن من إيجاد منتج له حتى جازف المنتج والمخرج يوسف رزق بتبنّي النص. هذا الأخير يرى أنّ الدراما السورية هي الوحيدة التي حملت على كاهلها عبء إنتاج أعمال عن القضية الفلسطينية، وأن كل ما أنتج من أعمال لم يُسوَّق بطريقة صحيحة، بما فيها «الاجتياح» لشوقي الماجري (حصل على جائزة «إيمي أووردز» العالمية) و«التغريبة». ويرى أنّ السبب الرئيس وراء إعراض المحطات العربية عن شراء هذه الأعمال هو خوفها من إسرائيل. ورغم أنّ أعمال يوسف رزق كانت تلقى رواجاً كبيراً، إلا أنّه هذا العام ـــــ ولأول مرة ـــــ اضطر إلى التعامل مع موزعين لتسويق «سفر الحجارة». ويتناول المسلسل قصّة عائلات فلسطينية تقيم في القدس الشرقية، وبعض أحداث مجازر غزة الأخيرة التي جرت خلال تصوير العمل. ورغم استعانة رزق بجهات تسويقية، إلا أنّه لم يبعه إلا لثلاث محطات لا تتمتّع بنسبة مشاهدة عالية وهي «الليبية» و«الديرة» والتلفزيون السوري. مع ذلك، ما زال مخرج العمل متفائلاً بإمكان تحقيقه حضوراً مميزاً، واستقطابه عدداً كبيراً من المشاهدين ولو عرض على محطة واحدة. يشرح رزق أنه نفّذ العمل بتصميم تقني محكم، وخصوصاً لجهة المتفجرات التي نفذت بطريقة غير مسبوقة على صعيد الوطن العربي. هو لا يخفي استياءه الشديد من إعراض المحطات عن شراء العمل، بما في ذلك المحطات الفلسطينية. يقول: «كيف لنا المواظبة على إنتاج هذه الأعمال، والفلسطينيون أنفسهم يُعرضون عن تبنّي قضيتهم بسبب خلافات بينهم، وتوجّهات سياسية معينة تحكم فضائياتهم. العمل مثلاً رفضته قناتا «الأقصى» و«القدس» الفلسطينيتان». ثم يقدم رزق اعتذاره الصريح عن عدم تبنّي هذه الأعمال مرة أخرى «كنت ولا أزال أحمل همّ القضية الفلسطينية وقبلها قضية الجولان، لكنني لن أكرر هذه التجربة بسبب ما لقيته من تجاهل».
أمّا الكاتب الفلسطيني السوري هاني السعدي فيرى أنّ القضية الفلسطينية والتعبير عنها تعبيراً صحيحاً مسؤوليةٌ تقع على عاتق الإعلام، فيما يعترف بأنّه يقدّم نصوصاً درامية حسب هامش الحرية المسموح به، وهو الأمر الذي كان يدفعه أحياناً إلى إسقاط الأحداث على عمل فانتازيا. لكنّ «سفر الحجارة» كان تعبيراً عن مجمل محاولاته منذ احترافه كتابة نص يحكي بطريقة صحيحة عن الوضع الفلسطيني، ويطرح مقولات عن مشروعية المقاومة ضد الاحتلال وقضية عرب الـ48، وعن كيل الغرب بمكيالين. ويؤكّد السعدي أنه سيتابع الكتابة عن القضية الفلسطينية: «لن أكفّ عن الكتابة حول القضية ما دام العالم يغضّ البصر عن أقسى أنواع الظلم والتنكيل بشعب كامل». كذلك يؤكد أنه لم يحضر تصوير مسلسله الأخير «سفر الحجارة»، ولم يتدخل في صناعته نزولاً عند رغبة المنتج والمخرج يوسف رزق بعدم تدخّل الكاتب في صناعة العمل. لذلك يرى السعدي أنّ تدنّي مستوى العمل الفني مثلاً قد يكون وراء إعراض المحطات عن شرائه، فهو لا يستطيع الحكم عليه حتى يشاهده.