اعتصم الإعلام الغربي بالصمت إزاء تحقيقين نشرتهما صحيفة سويدية عن قيام جنود إسرائيليين بسرقة أعضاء لشبان فلسطينيين والاتجار بها
صباح أيوب
كنمر رابض لفريسته، تتعامل السلطات الإسرائيلية مع الإعلام العالمي. عربياً كان أو أوروبياً أو أميركياً أو حتى إسرائيلياً. القاعدة واحدة: ممنوع المساس بصورة إسرائيل، وكل ما يسيء إلى الدولة العبرية هو كذب: المجازر، اغتصاب الأراضي، التعذيب، مهاجمة الإعلاميين، قصف سيارات الإسعاف، قتل المدنيين... كلّه «مختلق» من وسائل إعلام متآمرة على «دولة إسرائيل»، بنظر مسؤوليها. حتى مشهد قتل محمد الدرّة (عام 2000) اعتُبر «فيلماً مركّباً» ومقتل مصوّرَي وكالة «فرانس برس» برصاص إسرائيلي (عام 2004) هو «خدعة بصرية» حسب «الخبراء» الإسرائيليين!
بناءً على هذه القاعدة، جنّدت إسرائيل صحفاً وقنوات عديدة، وبات الصحافيون في تلك المؤسسات يمارسون رقابة ذاتية مسبقة على كل خبر يتعلق بإسرائيل. فالتُهم جاهزة إذا «أخطأوا»: معاداة الساميّة، عنصرية، إعادة إحياء المحرقة، نازية... وها هي تضغط لطرد مذيع إيطالي بسبب «انحيازه للفلسطينيين» خلال مجزرة غزّة الأخيرة، وتعاقب آخر فرنسياً، وتخوّن صحافية إسرائيلية وتمنع جميع الإعلاميين الأجانب من تغطية ارتكاباتها في

منظمات «الدفاع عن الحريات الصحافية» سجّلت... غياباً تاماً

فلسطين. «إسرائيل بلد السلام والديموقراطية، وممنوع إثبات العكس»، هذا ما يحاول الكيان الصهيوني أن يلقّنه للإعلام الغربي والعربي. وقد نجح في ذلك معظم الأحيان.
آخر «تمرّد» على التدجين الإسرائيلي للصحف الغربية كان عبر تحقيقين نشرا في 17 و23 آب (أغسطس) الحالي في صحيفة «أفتونبلادت» السويدية. التحقيقان كشفا عن فضيحة قيام الجنود الإسرائيليين بسرقة أعضاء لشبان فلسطينيين والاتجار بها. وأُرفدت المقالتين بشهادات من عائلات فلسطينية في الضفّة الغربية وغزة أبرزها شهادة عائلة بلال غانم الذي قتله جنود الاحتلال وشقّوا بطنه واقتلعوا أسنانه قبل أن يعيدوه جثّة هامدة إلى ذويه (عام 1992). وأُرفق التحقيق الثاني بصورة لجثّة غانم يظهر فيها الجرح الكبير في بطنه.
بعد نشر المقالين، استنفرت إسرائيل واعتمدت أسلوبها المعتاد، فكذّبت ما جاء في التحقيقين، واستحضرت أساطير دموية قديمة اتهمت الكتّاب بها، وطالبت السويد بـ«إدانة علنية لما نشرته».
صحف إسرائيل تبنّت موقف سلطاتها ووصفت المقال بـ«شبه التحقيق». الإعلام الأميركي حجّم المادة وقالت «سي إن إن» إنّ ما ورد في الصحيفة السويدية «مجرّد مقالات رأي» نازعة عن التحقيقات أي صدقية أو مهنية. الإعلام الفرنسي والإنكليزي تابع ببرودة الحدث وسارعت عناوين صحفه إلى الإعلان بأنّ «لا دليل» على ما قدّمته التحقيقات السويدية. أما منظمات «الدفاع عن الحريات الصحافية» العالمية فسجّلت... غياباً تاماً!
لم تر أيّ وسيلة إعلامية في ردّة الفعل الإسرائيلية تعدّياً على حرية الإعلام والصحافة، ولم تجرؤ أي منها على مساءلة إسرائيل. وحده رئيس تحرير «أفتونبلادت» جان هيلين «أسف لردّات فعل المسؤولين الإسرائيليين» و«امتعض من استخدامهم المقال كوسيلة بروباغندا سوقيّة»!