مناقشة رسالة دكتوراه في كلية الآداب في جامعة دمشق، تحوّلت إلى جلسة تصفية حساب مع أحد أبرز أعلام القصة العربية
دمشق ــ خليل صويلح
الوقائع التي شهدها مدرج «كلية الآداب» في جامعة دمشق، قبل أيام، خلال مناقشة رسالة دكتوراه عن «الشخصيّة في أدب زكريا تامر»، التي تقدمت بها الطالبة ندى خباز، بدت كالمزاح الثقيل من قبل لجنة الحكم. فجأة وجدت صاحبة الأطروحة نفسها في قفص الاتهام، كأنّها إحدى بطلات قصص زكريا تامر الكابوسية: زكريا تامر ليس قاصّاً مهماً، ولا تستحق تجربته الالتفات إليها، فنحن «نوثنّ أسماء غير جديرة بالتوثين»، وفقاً لما قاله نضال الصالح، أحد أعضاء لجنة الحكم. مهلاً، ها هو الناقد نفسه ينسف التجربة كاملة، معتبراً أن مجموعة «صهيل الجواد الأبيض» التي أطلّ بها زكريا تامر على القرّاء في الستينيات من القرن المنصرم ـــــ وكانت بمثابة العاصفة في المشهد القصصي العربي لجهة بكارتها وإدهاشها وشاعريتها ـــــ لن تصمد «نقدياً» فيما لو نُشرت اليوم، متجاهلاً الطبعات المتتالية لأعمال صاحب «دمشق الحرائق».
بصرف النظر عن هذا الافتراض، فإن هذه المحاكمة (الستالينية؟)، لا تمتّ إلى النقد بصلة، وإلا ماذا نفعل بكتابات محمد الماغوط، ومحيي الدين صبحي، وصبري حافظ، وكمال أبو ديب، وآخرين عن هذه التجربة الاستثنائية في السرد العربي؟ وماذا بخصوص ترجمة أعمال زكريا تامر إلى معظم لغات العالم، بما فيها الصربية؟ المفارقة أن أغلب أعضاء لجنة الحكم متخصصون في الشعر والنحو والأدب المقارن، وليس لهم أي صلة بالسرد أو النقد القصصي.
خليل موسى وصف تجربة زكريا تامر بأنها هشّة وتشبه «عمارات مؤسسة الإسكان، تحتاج إلى إعادة بناء». وجزم بأن قصص صاحب «سنضحك»: «نص واحد بتنويعات مختلفة، تعزف على وتر ما يطلبه الجمهور». هذه الروح الكوميدية أصابت «الدكاترة» تدريجاً، فأطاحوا منجزاً استثنائياً في الوقت المستقطع، لاعتقادهم أن ما يجري داخل المدرج لن يتسلّل إلى خارج أسوار الجامعة. خليل موسى نفسه أكمل الفاصل الكوميدي باتهام زكريا تامر بأنه يخطئ

أساتذة يحاربون الحداثة بوصفها بدعة استعمارية
في الإملاء، وأنه «لطش» عبارات من قصيدة «حفّار القبور» للسيّاب، وأخرى من «التينة الحمقاء» لإيليا أبو ماضي، من دون أن يشير إلى ذلك. واحد من أعضاء اللجنة أشار إلى أن زكريا تامر «مأزوم وتشاؤمي» ويبدو أنه اطّلع على بعض قصص صاحب «القنفذ» وحاول أن يغرّد خارج السرب قليلاً.
الجلسة كانت أقرب إلى تصفية الحساب منها إلى الجلسة الأكاديمية، أو لعلها جلسة «تكسير ركب» فعلاً، بحق أحد أبرز أعلام القصة العربية وصاحب تيار خاص، شرّع الأبواب أمام الأجيال اللاحقة كي تكتشف حساسية جديدة في الحكي القصصي الساخر والكابوسي واللامعقول.
من مقلب آخر، يهمس بعضهم بأنّ هناك من كتب هذه الأطروحة للطالبة، بدليل أنّها لم تدافع بكلمة واحدة عن محتويات أطروحتها، وكذلك الدكتورة المشرفة هدى صحناوي التي التزمت الصمت طيلة الجلسة العاصفة. فقد هدد نضال الصالح بأنّ لديه قرائن على ما يقوله. ويشكك بعضهم الآخر في أنّ مَن كتب هذه الأطروحة هو قصّاص وروائي صاحب موقع في اتحاد الكتاب العرب، وله «سوابق» في هذا المجال.
في كواليس الجامعة، «فضائح» كثيرة من هذا النوع، لا نستطيع الجزم بحقيقتها، لكن ما هو مؤكد أن معظم أساتذة كلية الآداب في جامعة دمشق يحاربون الحداثة بوصفها بدعة استعمارية، وإلا ما مبرر رفض أطروحات عن تجارب نزيه أبو عفش، وجميل حتمل، وإبراهيم صموئيل، وقائمة طويلة من المبدعين، في الشعر والرواية والقصة... كأن الأصولية الأدبية هي من يتحكّم في الذائقة، وفي رسم خطوط ٍحمر أمام أي تجربة تعاند التيار. محاربة قامة استثنائية مثل زكريا تامر، على هذا النحو المسف، صورة لما يحدث في أروقة الجامعة. وإلا، ما معنى أن يحاكم أستاذ الأدب المهجري وتجربة قصصية لامعة ورائدة بمثل هذا العسف الذي يفتقر إلى أقل درجات النقاش الأكاديمي والرصانة العلمية؟