حسين بن حمزة«سور جدة» (دار الفارابي) لسعيد الوهابي رواية جديدة تُضاف إلى الكمّ غير العادي من الروايات السعودية التي شهدت في السنوات الأخيرة ازدهاراً يمكن تسميته «طفرة روائية». لم تخرج هذه الروايات من لا شيء. كنا نعرف أن هناك روايات سعودية وروائيين سعوديين، ولكن كثرة الروايات الجديدة، وتماثل عوالمها، وتشابه طموحاتها، باتت تُخفّف من الحماسة الطبيعية التي يفترض أن تثيرها لدى القارئ. اللافت أن معظم ما يصدر اليوم هو لشبان وشابات في مقتبل أعمارهم. لعل هذا مؤشر إلى الطابع المشاكس الذي اتسمت به أغلب هذه التجارب. من الممكن هنا ربط انتماء المؤلفين إلى الجيل الشاب بجرأة هؤلاء ورغبتهم في تعرية الواقع والتوغل في الجوانب المسكوت عنها. في حالة المجتمع السعودي، تمثل هذه الجوانب أرضاً بكراً وخصبة للكتابة الروائية، فضلاً عن أنها تثير رغبة القارئ في الاطلاع والتلصص على الحياة الحقيقية التي تحدث داخل هذا المجتمع.
رواية الوهابي (مواليد 1986)، وهي الأولى له، لا تشذُّ عن هذا السياق، إن لم تكن منجزة بإيعاز مسبق منه. لقد وضع فيها نماذج من «البضاعة» التي سبق أن وصلتنا في روايات سعودية عديدة. معظم الشخصيات تعيش سوء فهم مع الواقع السائد والمؤسسات الرسمية والتقاليد الدينية والاجتماعية الضاغطة: خالد الراغب في العمل الصحافي يصبح سائق تاكسي. بسام المثلي جنسياً. منصور العامل في جهاز الاستخبارات الحكومي. أبو فيصل الذي سيتضح أنه أحد المخططين لحركة جهيمان العتيبي الذي ثار على النظام واحتل مع خمسمئة من مناصريه المسجد الحرام في مكة....إنها رواية شخصيات أو رواية أصوات. الشخصيات الرئيسية تكشف عن شخصيات أخرى. المؤلف يرسم لوحة سردية مقتطعة من الحياة في جدة. قد يكتفي القارئ غير العليم بتفاصيل هذه الحياة بما تقدمه الرواية، ولكن إشكالية الرواية، وهي إشكالية معظم ما قرأناه من روايات مماثلة، أنها مكترثة بجرأة المضمون على حساب الشكل والأسلوب والتقنية. هل قلنا جرأة؟ ها هي الرواية تُمنع في بلدها لأنها «تمس الثوابت الدينية والهوية الوطنية». إنه خبر غير سار بالطبع، إلا أنه يشير إلى صفة لصيقة بالروايات السعودية الراهنة. إنها روايات جريئة، ولكن الحكم النقدي على أهميتها كروايات مؤجَّل.