زنوبيا» ناطقة باسم خدّام، و«الدنيا» باسم النظام. طفرة المحطّات الخاصّة تجتاح المشهد الفضائي السوري هذه الأيّام. إلا أنّها فشلت حتّى الآن في تحقيق النقلة النوعية المرجوة
وسام كنعان
قد تبدو كلمة «معارضة» غريبة أو دخيلة على قاموس الإعلام السوري. لسنوات خلت، كان صوت النظام وحده يصل إلى مسامع الشعب السوري. هذا في الماضي. أما اليوم وفي عصر والإنترنت والفضائيات، فقد بات كلّ شيء ممكناً، وتغيّرت الصورة الإعلامية.
هكذا تعرّف السوريون والعالم قبل فترة إلى فضائية جديدة تحمل اسم «زنوبيا»، يملكها رجل النظام السابق، والمعارض الحالي... عبد الحليم خدّام. بدأت المحطة بثّها التجريبي قبل أشهر، من دون أن تتمكّن من إثبات حضورها على الساحة الإعلامية. أما السبب فبسيط: في محاولة لكسب ثقة الشارع السوري، لجأت القناة، التي تصل إلى المشاهد العربي عبر أكثر من قمر صناعي، إلى لغة التحريض والشتم.
وفي نظرة سريعة إلى ما تعرضه الفضائية، التي يرجّح أنّها تبثّ من باريس مكان سكن خدام، يمكن فهم سبب فشلها. إذ ترفع «زنوبيا» شعار الحرية لسجناء الرأي في سجون النظام السوري. وتبث صوراً لمتظاهرين يرفعون لافتات تطالب بإلغاء قانون الطوارئ في سوريا، مع التركيز على صور أطفال مشردين يبحثون عن قوت في حاويات القمامة. كل ذلك على أنغام أغاني عشقها الجمهور لمطربين سوريين كأصالة نصري ولينا شماميان، وعلى صوت قصائد سياسية لنزار قباني.
ولأنّ تعبئة الوقت ضرورة تحتّمها ولادة كلّ محطة، كان التكرار سيد الموقف، لتعاد تلك المشاهد عشرات المرات على مدار الساعة. أما على صعيد البرامج، فاكتفت القناة بما يشبه البرامج السياسية عبر استضافة شخصيات حوّلت لقاءاتها إلى حفلة شتائم ضد النظام السوري. من جهة أخرى، لم يكن صعباً تدبير مادة فنية أرشيفية جاهزة، تتمثل في مسلسلات أنتجتها «شركة الشام الدولية» وهي من كبرى شركات الإنتاج السورية ويملكها أحد أبناء خدام واسمه باسل.
وقد أدّت هذه السياسة التلفزيونية والخيارات غير الموفّقة إلى الابتعاد كلّ البعد عن المعايير المهنية. إذ فضّلت المحطة التحريض بدل اللحاق بقطار الحداثة والتطوّر الضروري لكل الفضائيات. وقد دفعت هذه السياسة أحد إعلاميي المحطة إلى الاستقالة وإصدار بيان يوضح الأهداف الشخصية لمالك المحطة.
لكن أزمة الإعلام التلفزيوني السوري الخاص، ليست حكراً على «زنوبيا» أو الإعلام المعارض. والدليل: محطة «الدنيا». هذه الأخيرة انطلقت قبل أشهر على يد مجموعة رجال أعمال سوريين، أبرزهم عضو مجلس الشعب السوري محمد حمشو. منذ انطلاقتها، مثّلت المحطة منبراً للنظام السوري، فراحت تشنّ المعارك الإعلامية ضدّ «أعداء» النظام، أبرزهم الرئيس المصري حسني مبارك والنظام السعودي. وإن عكس ذلك شيئاً، فهو رغبة واضحة للتقرب من النظام السوري مع تجاهل معطيات غير ثابتة للعبة السياسة. وتناقلت بعض المصادر توسط جهات سعودية لدى الحكومة السورية لإيقاف هذه اللقطات، بينما رفضت هذه الأخيرة التدخل بحجة أنّ المحطة خاصة. في وقت أبدت بعض المؤسسات السعودية رغبتها في شراء المحطة بهدف إسكاتها إلى الأبد.
ورغم هذه الأخطاء وهذا التماهي مع رغبات النظام، تميز هذا التلفزيون بانطلاقة جيدة أسهمت فيها كوادره واستوديوهاته التي خلقت الإبهار البصري اللازم. ذلك إضافة إلى إشراف مديرها السابق الكاتب والإعلامي فؤاد شربجي على مجمل تفاصيل العمل لتحقّق تميزاً بشريطها الإخباري، وببعض برامجها الإخبارية. وقد ترافق ذلك مع غياب واضح للبرامج المنوعة المميزة أو الأفكار الجديدة، واقتصارها على برامج تشبه برامج «منظمة الشبيبة» على «التلفزيون السوري»!
كذلك اعتمدت المحطة على بث مسلسلات قديمة أنتجتها «شركة سوريا الدولية» التي تعود ملكيتها إلى محمد حمشو، إلا أنّها كانت من أهم الأعمال الدرامية السورية كمسلسل «أحلام كبيرة» الذي يُبث حالياً. لكنّ القناة لم تفلت من أخطاء فادحة مثل بثها مشهداً ساخناً خطأً خلال استعراض عناوين إحدى النشرات الإخبارية، ووقوع مقدمي النشرات في أخطاء مهنية كبيرة. وكان يظهر مثلاً أحد المذيعين مبتسماً أو شامتاً وهو ينقل خبر عن فريق «14 آذار» اللبناني أو النائب وليد جنبلاط.
وتفاقمت الأخطاء وبدأت المحطة تتراجع عندما استقال مديرها فجأةً فؤاد شربجي، ليتولى فراس الدباس، صهر النائب حمشو، إدارتها، وهو الاستثناء الغريب من نوعه. هكذا دخل الدباس أروقة «الدنيا» وقلبها رأساً على عقب، مغيّباً كل عناصر تميزها، بدءاً من شريطها الإخباري، مروراً بكوادرها التي حرص على تصفيتها أولاً بأول، وتحديداً كل من يمت للمدير السابق بصلة، مرغماً كل موظفيها على التوقيع على عقود عمل مجحفة، ما جعل مجموعة كبيرة من فنيي المونتاج يغادرون المحطة.


«نينار»... قريباً