يقدّم خالد يوسف في شريطه الجديد، الذي يعرض في الصالات اللبنانية، صورةً عن راهن المجتمع المصري ومستقبله أيضاً. لكنّنا هنا لسنا بصدد حدوتة، بل أمام مجرد فكرة، سُخِّرت كل العناصر لخدمتها من دون أن تبلغ النضج الكامل
محمد خير
يشير الجنايني حجاج (محمود حميدة) من وراء ظهره لابنه شحاتة (عمرو سعد)، يطلب منه إزاحة صورة الرئيس عبد الناصر قليلاً كي تخفي الشرخ في الجدار، يزيحها الابن مع اعتراض يشرح لاجدوى طلب الأب: «الشرخ كبير قوي يابا». في الواقع، لم نكن نحتاج إلى ذلك التعليق، فالشرخ في الجدار كان هائلاً فعلاً، ولا يمكن أن تخفيه تلك الصورة الصغيرة. لكن مَن قال إنّ المنطق مهم هنا؟ المهم ما يريد قوله فيلم «دكان شحاتة» أو بالأحرى المخرج خالد يوسف، رغماً عن بديهيات الصورة وشروط الدراما وضرورات الأداء التمثيلي. إنّه فيلم النتائج المعروفة مسبقاً والمخاوف المترجمة بأقلّ خيال ممكن. لسنا هنا بصدد حدوتة، بل أمام مجرد فكرة، سُخِّرت كل العناصر لخدمتها وأُجبرت الشخصيات الدرامية على تنفيذ المطلوب منها. وبالتالي افتقرت تلك الشخصيات إلى منطقها الخاص وانقسمت تلقائياً إلى خير بحت وشر مطلق. وهي نتيجة بديهية ما دام الهدف تقديم إجابات لا إثارة أسئلة. وقد قدّم الفيلم الكثير من الإجابات، وقفز في الزمن أعواماً عدة ليرينا ما ينتظرنا من مستقبل. وهو مستقبل لم يعن أكثر من حاضر أكثر تدهوراً، وقد بدا مجهود المخرج واضحاً في صنع مشاهد الرعب الجماعي التي بدأ بها الفيلم وانتهى بها أيضاً. لكن كان واضحاً أيضاً أن كل ما بين البداية والنهاية، لم يكن سوى حشد أسباب الوصول إلى تلك النهاية المرعبة. ربما نسي المخرج أنّ الأسباب معروفة سلفاً وتمتلئ بها الكتب والأبحاث، وأنّه إن أراد الخطو في تلك المساحة، فعليه تقديم العلاقات لا الأسباب.
مع ذلك، فإن إشكالية «دكان شحاتة» ليست فكرية، وإن بدت كذلك، بل هي فنية بالأساس. وإلا كيف جرى تجميع الرموز في الفيلم وحشدها إلى درجة أنها انقلبت في النهاية حتى على دورها الرمزي لتصبح شديدة المباشرة. مثلاً: أن يبيع أولاد الجنايني أرضهم بعد وفاة أبيهم، فذاك رمز. لكن أن تشتري الأرض السفارة الإسرائيلية نفسها، فإنّ ذلك لم يعد رمزاً. وإلا فإلامَ يرمز إذاً وقد جاء الأعداء بأنفسهم لأخذ الأرض؟ ثم إنّها لم تكن أرض الجنايني، بل أرض الدكتور مؤنس (عبد العزيز مخيون) المناضل الوطني الثري الذي قرر منح الأرض للجنايني الذي يزرعها، وتنازل لهم عن الدكان الذي أقاموه فوقها، وأصرّ على أن يسجّل المنح في عقد رسمي، وعاد ليمنع الأب من ظلم أولاده فأجبره على العدل بينهم في توزيع «التركة». فلم يكن ينقص ذلك الرجل الشريف العادل سوى أن يبزغ له جناحان ليرفرف ملاكاً فوق الفيلا، وخصوصاً أنه يتقبّل دعابات الجنايني الذي يصفه بالجنون، تعليقاً على هذا الكرم. بالطبع، فإن الأرض والفيلا لم تباعا إلا بعدما جاء الابن المقيم في... أميركا ليبيعها إلى الإسرائيليين، مستغلاً مرض الأب الوطني وغيابه! ما ينطبق على الوطني الثري ينطبق بصورة أفدح على شحاتة نفسه الذي باعه إخوته وخانوه ولفّقوا له جريمة وسجنوه. استولوا على ميراثه ونصيبه في الدكان، ثم أجبروا خطيبته بيسة (هيفا وهبي) على الزواج من أحدهم (سالم/ محمد كريم). بعد كل ذلك الانتهاك، يخرج شحاته من السجن باحثاً عن إخوته لا للانتقام، أو استرداد حقه، بل لأنه اشتاق إليهم! ما يسبّب نهايته المأساوية. لكنّ هذا السلوك العجيب اللابشري ليس غريباً هنا، لأنّ المقصود/ المطلوب من شخصية شحاتة أن تكون «المصري المسالم الذي جرى استعباده والاستيلاء على حقوقه لأنه لم يدافع عنها». هذا هو الهدف، وعلى الشخصية أن تنفذ بأقل قدر ممكن من المنحنيات الدرامية والنفسية، وبالتالي بإيقاع شديد البطء والحياد، حتى تصل «الفكرة» إلى المتلقّي. لقد وصلت الفكرة فعلاً بعدما أطاحت كل حياة خاصة للشخصيات، وخصوصاً «الطيبة» منها. المفارقة أنّ أداء هيفا لم يكن بالسوء الذي توقعه الجميع، وبدا أنّ بالإمكان إدارتها كممثلة لا بأس بها، قياساً إلى نجمات فيديو كليب أخريات. لكن لا يمكن تجاهل ما صرّح به المخرج عن اختياره لها لقدراتها التمثيلية، مقارنةً بالمشهد الذي تفتتح به دورها في الفيلم، حيث تمسك قطعة من ملابسها الداخلية متحدثةً عن خجلها من أن تنشرها على حبل الغسيل! وهي «مشكلة» لم تتكرر في بقية الفيلم، بل مجرد مشهد ضمن كوكتيل الجنس والعنف والسياسة، عناصر احتشدت لتعوّض بزحامها عما افتقر إليه الفيلم من رؤية فنية جامعة، تضم الدراما والأفكار في عصارة لا يمكن فصل عناصرها. وعلى ذكر العناصر، لا يمكن نسيان أفضلها على الإطلاق، وهي حشد الأغنيات الجميلة التي كتبها جمال بخيت وإبراهيم عبد الفتاح وكوثر مصطفى، وتغنّى بها أحمد سعد ونهال نبيل.

«سينما سيتي» (01/899993)،
«أمبير دون» (01/792123)،
«أمبير غالاكسي» (01/544051)،
«أمبير سوديكو» (01/616707)،
«بلانيت طرابلس» (06/442471)


للسيناريو أحكام!

في «دكان شحاتة»، لم يتمكن عمرو سعد أو محمود حميدة ـــــ رغم اجتهادهما ـــــ من تقديم قدراتهما التمثيلية، لأنّ أحدهما لم يكن في شخصيته الحد الأدنى من التناقض الذي يصنع الدراما، بينما بدت الشخصيات «الشريرة» أكثر إقناعاً، لأنها تتصرف على الأقل بدواع واضحة ومنطقية كالجشع والحقد والغضب. لذا، كان صبري فواز (طلب حجاج) وعمرو عبد الجليل (كرم غباوة) هما الأفضل أداءً بين الممثلين، حتى وإن دفعهما سيناريو ناصر عبد الرحمن إلى اتخاذ سلوكيات لا علاقة لهما بها، كأن يطلب عمرو عبد الجليل «الصعيدي» من شقيقته هيفا وهبي أن ترقص لخطيبها! لا يمكن تفسير ذلك إلا في إطار حتمية أن ترقص هيفا في الفيلم لا أكثر، ولا سيما أنّ شقيقها ذلك هو نفسه الذي اقتحم مدرسة بأكملها ليضرب مدرّساً غازل فتاته.