خمسة أيام من حياة نسرين حوري ابنة يافا، ومن حياة الشعب الفلسطيني، تختصرها رواية محمد سلماوي «الخرز الملوّن» التي ترجمت أخيراً إلى الفرنسيّة عن دار Archipel
ريشار لابيفيير *
تمثّل رواية محمد سلماوي «الخرز الملوّن» (1990) التي صدرت ترجمتها الفرنسيّة أخيراً بعنوان «خرز الغضب أو خمسة أيام في حياة نسرين حوري» (Archipel ـــــ ترجمة سهير فهمي وميشال بواسو) درّة ثمينة للمهتمين بالأدب وبالذاكرة السياسية على السواء. إنَّها علاج ناجع ضدّ اليأس الذي يصيبنا في مواجهة مأساة إخوتنا الفلسطينيين. من إخلاء يافا من سكانها العرب عام 1948 إلى زيارة أنور السادات القدسَ سنة 1977، تغطِّي الرواية أربعة عقود من تاريخ الشعب الفلسطيني، وتقصُّ أحداث خمسة أيَّام أساسيّة من حياة نسرين حوري، الزهرة التي اقتُلعت من جذورها لكنها لا تزال تنبض بالحياة تحت أنقاض التاريخ. في الكتاب بداية «أغنية الانطلاق»، في 14 أيار (مايو) 1948 اليوم الأول: «كانت نسرين في الـ 18 من عمرها، وهي ابنة بشير حوري، رئيس بلدية يافا. عندما وُلدت، كانت شاحبة مثل زهور النسرين التي تنبت في البقاع الظليلة في الجليل، فاختار والدها نسرين اسماً لها. جميلةً كانت منذ نعومة أظافرها، بسحنتها الفاتحة، وشعرها الكستنائي وعينيها اللوزيتين وقد استمدتا وميضهما من الحجارة الكريمة، لا سيما حجر عين الهر الذي تتراءى تشقُّقاته الذهبيَّة كأشعة الشمس».
في خضم التمزقات الدامية التي رافقت النكبة، غادرت نسرين موطنها فلسطين، شأن آلاف المهاجرين الآخرين. غير أنَّها حملت في القلب جراح الحرب؛ وفي الذاكرة مصير وطنها المأساوي؛ وفي الأحشاء ابناً أتى ثمرة زواجها بإبراهيم.
ومن ثمَّ «ليلة باستت»، في 22 تموز (يوليو) 1952 اليوم الثاني؛ ذلك اليوم الصيفي الذي استحالت فيه القاهرة مسرح الشرارة الأولى التي أحدث دويّها الكبير تحوّلاً في الحياة السياسية والاجتماعية في مصر والعالم العربي. فرضت نسرين نفسها صحافية كبيرة. ثمّ اليوم الثالث في 21 آذار (مارس) 1958 «جنَّة عدن»، عندما شعرت نسرين بأنها وُلدت من جديد. 19 كانون الأول (ديسمبر) 1976، اليوم الرابع، هو يوم «الشراع بلا ريح». بيروت/ وكالة الأنباء الفرنسية: أدت هجمات عنيفة شُنت على وسط المدينة واستمرت حتى ساعات الصباح الأولى إلى تدمير مقر جريدة «المحرر». وكان عدد من الصحافيين موجوداً في المبنى، فلاقى كثيرون مصرعهم بين الأنقاض. وأُصيب الصحافي ورئيس التحرير المصري إسماعيل جابر إصابات بالغة، فنُقل إلى «مستشفى الجامعة الأميركية»، لكنه قضى متأثراً بجراحه. وكان اختفاء ناصر... وبداية المنعطف المظلم الذي قاد إلى الخيانة. وفي إسرائيل سلّم الناسُ مناحيم بيغن، وهو إرهابي سابق وزعيم الأرغون، رئاسة الحكومة.
«الخروج من اللعبة»، 20 نيسان (أبريل) 1980، هو اليوم الخامس والأخير. في الليل، كان منظر القاهرة من جبل المقطَّم فاتناً. في تلك الليلة، حملت رياح الخماسين الحارة جسم نسرين حوري الناضب. فسُمعت زقزقة عصفور ينتحب، وسدّ هذا الأنين الأفق. ما نزفت نسرين التي تجسد شعباً بأكمله بتاتاً. أفرغت دمها على امتداد حياتها، أفرغته قطرة قطرة. وما سكبت دمعة واحدة، فقبل أن ترحل، ابتلعت قساوةُ الحياة كل ما امتلكته من دموع.
«لم يكن الخريف قد حلّ، لكنَّ ورقة الشجرة تركت لنفسها العنان لتتهاوى بأبطأ ما أمكن، كما لو كانت تقاوم قانون الجاذبية...» وتستمرَّ هذه المقاومة بلا تعب ومهما يحصل.
مساهمة أدبية وسياسية قدّمها الكاتب المصري محمد سلماوي (1945) الذي ألّف 12 مسرحية منها «الجنزير» التي قُدِّمت على «مسرح تريانون» في باريس عام 1996. كما كتب قصصاً صغيرة، ووضع كتاباً تضمَّن مقابلات مع نجيب محفوظ بعنوان «وطني مصر». باكورته الروائيّة هي سحر موجع يفكك المأساة الفلسطينية التي تبقى وصمة تلطّخ ضمائر الأجيال المتلاحقة منذ الحرب العالمية الثانية: مأساة صامتة يستمر تسلسل أحداثها الرهيب من احتلال وقمع وتهجير. لكن رواية سلماوي هذه، ترسم أيضاً أحلى أمل بالخلود لنسرين ولشعب نسرين.
(النص خاص بالأخبار
ترجمة جورجيت فرشخ بجالي)

* كاتب وإعلامي فرنسي، آخر إصداراته «مجزرة إهدن، أو لعنة العرب المسيحيين» (فايار/ الفارابي)