خليل صويلحسننتبه مجدداً إلى شخصية فريدة في خصائصها، هي شخصية «أبو فهمي» التي يلعبها الراحل فهد كعيكاتي باقتدار لافت. كأن «أبو فهمي» خارج من إحدى صفحات كتاب «البخلاء» للجاحظ. رجل شحيح اليد والعواطف، ملحاح في تحقيق مصالحه الشخصية، لا يأبه لما يجري للآخرين، طمّاع إلى أقصى حد. في أحد أفلام لحام وقلعي، يطلب من غوّار أن يرسم منظراً طبيعياً على حائط دكانه، وزيادة في الطمع، يلحّ على الرسام أن يرسم له بطة فوق الشجرة! وفي فيلم «حادثة النصف متر» لسمير ذكرى، يعمل أبو فهمي بائعاً للحبال، يطلب منه شخص حبلاً متيناً، فيسأله عن الغرض منه. فيجيبه الشخص بأنّه يريد الحبل ناعماً على العنق بقصد الانتحار. بالطبع لا يأبه أبو فهمي لمصير الرجل، فيختار حبلاً مناسباً ويشرح له مزاياه ومتانته وقدرته على التحمّل.
إعادة عرض هذه الأعمال على شاشة قناة «الدنيا»، تطرح مجدداً مشكلة الكوميديا السورية اليوم، هذه الكوميديا التي باتت أشبه بالنكتة العابرة في مواقف مسطّحة يكتبها هواة عابرون، وهذا ما يجعلنا نتذكّر كاتباً عملاقاً مثل نهاد قلعي الذي لم يجارِه أحد من كتّاب الكوميديا في التقاط الحس الشعبي البسيط، ورسم خريطة بيئية للحارة الدمشقية بأطيافها المتعددة، وأنماط شخصياتها الاستثنائية: هل نتذكّر «أبو عنتر»؟ أم نتوقف عند ياسين بقوش أم حسني البورظان، المثقف الذي يجد نفسه غريباً وغارقاً في أوهامه وتطلعاته.
لنقل باطمئنان إذاً إنّ الكوميديا السورية خرجت من عباءة كاتب عبقري هو نهاد قلعي. وبفقدانه، أضحت هذه الكوميديا يتيمةً، وبمشية عرجاء.

«صح النوم» اعتباراً من الليلة على قناة «الدنيا» 21:15