أدخل العود إلى الموسيقى النوبيّة، وآلة «الطار» النوبية إلى الموشّحات والكلاسيكيّات العربيّة. عزف مع تيلينيوس مونك، وشارك في «وودستوك»، ومات مجهولاً في العالم العربي
أحمد الزعتري
مرّت قبل أيام الذكرى الثالثة لوفاة الموسيقي النوبيّ حمزة علاء الدين الذي رحل بصمت، تماماً كما عاش: تجاهلٌ عربيّ كامل، واحتفاء غربيّ. يُعَدّ حمزة الدين (الاسم الذي اشتهر به في الغرب) الذي ولد في قرية توشكي على الحدود المصرية السودانية، أوّل ـــــ وربما أهم ـــــ مَن اشتغل أكاديميّاً على التراث الموسيقيّ النوبي بصيغته المعاصرة: التلاحم مع التراث العربي الذي نشأ عن التجاور في السودان ومصر، بطريقة لم تعد الموسيقى النوبيّة موسيقى إثنيّة مغلقة.
أول إنجازات حمزة الدين أنّه أدخل العود إلى الموسيقى النوبيّة، وبالعكس، أدخل آلة الإيقاع النوبيّة «الطار» إلى الموشّحــات والكلاسيكيّـات العربيّة.
كل ذلك بصوت رعويّ شجيّ. كذلك كان من المؤثرين في الطفرة الموسيقيّة الأميركيّة في الستينيّات والسبعينيّات، فكما أبهر رافي شانكر فرقة الـ«بيتلز» في بريطانيا، كان تأثير حمزة علاء الدين مشابهاً على جون بايز وبوب ديلان في
أميركا.
ولد حمزة الدين في عام 1929 في توشكي التي غمرتها بحيرة السد العالي. بعدما اجتاح الفيضان قريته، انتقل مع عائلته إلى القاهرة، حيث درس الهندسة الكهربائية في القاهرة، وعمل في سكة الحديد المصريّة ليوفّر نقوداً كي ينخرط في دورة موسيقيّة لدراسة الموشّحات في «معهد إبراهيم شفيق للموسيقى». هناك بدأت أسئلة الهويّة تقتحم الشاب النوبيّ، متأثراً بطغيان موسيقى أم كلثوم وعبد الوهاب التي كان يسمعها أينما ذهب، متسائلاً عن هويته النوبيّة، ما دفعه إلى القيام برحلة دون كيخوتية على حمار في قرى النوبة لتوثيق التراث الموسيقيّ النوبيّ.
حصل الدين على منحة من الحكومة الإيطالية عام 1959 لدراسة الغيتار الكلاسيكي والموسيقى الغربيّة في «معهد سانتا سيسيليا» في روما. هناك، مرّر زميل له موسيقاه إلى صديقته الموسيقيّة والناشطة السياسيّة جوان بايز. وعندما انتقل إلى أميركا في 1962، كانت بايز قد روّجت له ووظّفت علاقاتها لإنتاج أسطوانة للشاب النوبيّ الذي لقّب بالـ Virtuoso.
هكذا، صدرت أسطوانة «موسيقى النوبة» عام 1964، وفتحت له أبواب الموسيقى التي كانت الطريقة الشعبيّة الأسهل والأعمّ للتعبير عن انتفاضة الشعب للمطالبة بالحقوق المدنيّة المتساوية، وضد حرب فيتنام. شارك حمزة الدين في «مهرجان نيوبورت للموسيقى الإثنية»، ثم شارك فرقة Kronos Quartet في «مهرجان وودستوك»، وعزف مع عازف البيانو المؤثر إلى الأبد في موسيقى الجاز تيلينيوس مونك، ومع فرقة الروك الشهيرة Grateful Dead. وأصدر في عام 1972 اسطوانته الأشهر «الساقية».
عمل حمزة الدين مدرّساً للموسيقى الإثنيّة في جامعات أميركية عدة، في أوهايو وواشنطن وتكساس، قبل أن ينتقل إلى اليابان في أوائل الثمانينيات ليعمل مدرّساً للموسيقى النوبية في جامعة طوكيو. هناك، انجذب إلى الآلة الوتريّة اليابانيّة التقليدية الشبيهة بالعود «بيوا» وراح يجري أبحاثاً عنها، ويصبح نجماً في اليابان تحتفي به وسائل الإعلام ويُستخدم اسمه في الإعلانات. هناك أيضاً، التقى بزوجته اليابانية التي اتّخذت اسماً نوبيّاً: نيبرا.
عاد حمزة الدين إلى أميركا ليستقرّ في سان فرانسيسكو، ويتفرّغ للعزف والتأليف، ويصدر أسطوانة «موشحات» (1995)، و«أمنية» (1999)، قبل أن يموت إثر مضاعفات عملية جراحية في عام 2006.
رغم إخلاصه للموسيقى النوبيّة، صرّح حمزة علاء الدين في محاضرة في «جامعة بنسلفانيا» عام 2001 بأنه «خرّب الموسيقى النوبيّة» لأنّ هذه الموسيقى تُغنَّى بمرافقة «الطار» فقط، فيما أدخل هو العود إليها لأوّل مرة. قد تكون تلك ملاحظة متطرفة تستدعي أسئلة الهويّة لدى الموسيقي النوبيّ، لكنها ملاحظة مشروعة، ويمكن إمرارها لمئات الفرق العربيّة التي يبدو أنها تستمتع بإطلاق التصنيفات الموسيقيّة كـ«روك عربيّ» و«جاز شرقي» وحتى «راب فلسطيني» منفتحةً على الأنواع الموسيقيّة العالميّة، لكن، متناسية معنى أن تكون لها هويّة.