بيار أبي صعبأغنية «يصعب فهمها على من هم دون العشرين»، تلك التي سيؤدّيها الليلة شارل أزنافور في بيت الدين. الشاب الثمانيني (1924) ما زال عاشقاً في العشرين. صاحب القامة القصيرة، والصوت الأجش الذي احتقره النقاد في بداياته، وتنبأ له الجميع بالفشل، وأغلقت شركات الأسطوانات أبوابها في وجهه، إلى أن تبنّته إديت بياف، سيلتقي الليلة في لبنان، عند قمّة مجده، جمهوراً يحبّه ويحفظ أغنياته عن ظهر قلب. شارل أزنافور لبناني بامتياز: ذلك اللبنان الفرنكوفوني، البورجوازي، المنفتح على الشرق والغرب، الذي يتكلّم بلغة المعلّم بطرس البستاني ويحلم ببلد موليير... لبنان آخر لم يبق منه سوى أطياف وأوهام، وما يكفي من الجمهور كي يشتعل قصر المير بشير الشهابي الكبير، الليلة، بالتصفيق والهتاف... والحنين! أزنافور، صاحب الصوت الأليف والمحبب، هو مغنّي الحنين بامتياز، و«الملذّات التي لم تعد على الموضة» و«البوهيميا» والشباب الضائع. مغنّي اليأس الجميل الذي كان «قبله يفتقر إلى الشعبيّة»، كما قال جان كوكتو.
شاه نور فاريناغ أزنافوريان الذي صار اسمه الفنّي شارل أزنافور في أواسط الأربعينيات، كان جدّه طبّاخ القيصر الروسي نيقولا الثاني، أبوه مغني باريتون أرمني مهاجر من جيورجيا، وأمّه الممثلة ابنة عائلة تجار أرمن من تركيا. المصادفة وحدها شاءت أن يبصر النور في باريس، حيث كان والداه ينتظران تأشيرة الهجرة إلى الولايات المتحدة. كان ذلك من حظ اللغة الفرنسيّة. كبر شاه نور الصغير في حانة أهله الصغيرة، شارع La Huchette، على صوت أبيه يغني لمهاجري أوروبا الوسطى. وفي التاسعة قرّر أن يكون مغنياً، لكن الطريق سيكون شاقاً. بعد إحدى حفلاته الفاشلة، كتب: «ما هي عيوبي؟ صوتي، طولي، حركاتي؟ النقص في تربيتي وثقافتي؟ صراحتي؟ ضعف شخصيّتي؟ صوتي لا يصلح للغناء، هذا ما قاله كل الأساتذة الذين استشرتهم. ومع ذلك سأغنّي. سأغنّي ولو مزّقت حلقي...».
أزنافور هو اليوم أشهر مغنٍّ فرنسي في العالم منذ رحيل فرانك سيناترا. مثّل في ستين فيلماً، وكتب ألف أغنية، وغنّى في خمس لغات، وباع مئة مليون أسطوانة حول العالم... في أواخر عام 2008 منحه الرئيس سيرج سركيسيان الجنسيّة الأرمنيّة. ومنذ أيام قليلة بات رسمياً سفير أرمينيا في سويسرا، وممثلاً دائماً لها لدى منظمة الأمم المتحدة في جنيف. بالأمس زار قصر بعبدا فقلّده رئيس الجمهوريّة «وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الأولى المذهّب». والليلة سيغنّي لنا مرّة أخرى (مرّة أخيرة؟) «لم أرَ الوقت يمرّ» و«أيتها الحمقاء أحبّك»، و«من الآن فصاعداً» و«كلا لم أنس شيئاً» و... «ينبغي أن تعرف كيف تخفي دموعك». محطته العربيّة المقبلة ستكون تونس.


الليلة في بيت الدين (لبنان): www.beiteddine.org
قرطاج (تونس): العاشرة من ليل 21 تموز/ يوليو الحالي www.festivalcarthage.com