بيار أبي صعبتسأل عنه فيقال لك إنّه يعيش معتكفاً في سوريا. لكن من يتصوّر مظفّر النوّاب صامتاً ومعزولاً؟ كل ما شهده العراق، في العقد الأخير، كتبه من قبل، راثياً أهل الضاد، باصقاً بوجه طغاتهم ومغتصبي حقوقهم ومحتلّيهم، ومنتصراً لـ«عبد الله الإرهابي»: «يا صرخات الأطفال بخلده والبربير تأخرنا/ يا نادل مقهى أسلحة الليل تأخرنا جدا/ وامرأة ما زالت تكنس شرفتها/ وتلم شظايا قنبلة».
منذ الستينيات عاش متنقلاً بين السجون والمنافي. «يا قلبي! عشق الأرض جواز/ وأبو ذر وحسين الأهوزي،/ وأمي والشيب من الدوران ورائي/ من سجن الشاه إلى سجن الصحراء...». إنّه الشاعر الشريد، العراقي بامتياز. حالة وجدانيّة وسياسيّة. أجيال متتالية تفتّح وعيها على صرخته الشهيرة: «القدس عروس عروبتكم؟... أهلاً، أهلاً!». ترك للفصحى الموقّعة، أن تحتضن صراخه المباشر، غضبه السياسي، اتهاماته الفجّة والمجروحة والبذيئة أحياناً. بات «شاعر المعارضة السياسية»، كما نعته عبد القادر الحصني وهاني الخير في كتاب لهما أواسط التسعينيات. أما العاميّة، فكانت مرتع الغنائيّة والوجدانيّة والشعر الشفيف... كم لجأنا إلى إخوتنا العراقيين طلباً للمساعدة في فهم هذه المفردة أو تلك، كي تكتمل متعتنا في قراءة «الريل وحمد»...
قبل يومين انطلقت عريضة من الفلوجة (٤٥ كلم غرب بغداد) في محافظة الأنبار، لتدور على العراق، مطالبة الشاعر بالعودة إلى منزله الأوّل. المبادرة يقف وراءها شعراء وفنانون من الجيل الجديد (ملاذ إسماعيل، يوسف خلف، إزهار حميد...)، لم ينسوا الشاعر ولا «بكائيّاته على صدر الوطن». شعراء العراق، عادةً، يموتون بعيداً منه... فهل يعود مظفّر ليعيش فيه، بعد كل هذه السنوات؟