مصطفى مصطفى«ليس عندي، في الواقع سوى ابتسامة/ مقابل ما تعطونني/ وطقة كاميرا بوجه ألف عام شاهدتم بأعينكم/ ضياعها». صدر أخيراً الكتاب الشعري «اليوم الذي يدعى غداً (إلى فلسطين)» («دار الفيل»، القدس، 2009) للكاتب الفرنسي من أصل بريطاني إيف بِرجِر (بعضهم يلفظ الاسم بالفرنسيّة: إيف برجيه). هذا الأخير هو ابن الناقد والروائي البريطاني جون برجر. عرّب الكتاب الشاعر والزميل نجوان درويش، بتوقيع مشترك مع الفنّان التشكيلي كمال بلاطه الذي وضع التصميم الأنيق للكتاب ووضع تخطيطاً لعنوانه. الكتاب قصيدة نثر طويلة ترافقها رسومات للشاعر وضعها إيف برجر عن تجربته في الإقامة في فلسطين والارتباط بسؤالها التحرري. الترجمة ــــ بحسب كلمة المترجمين ــــ «استجابت للقصد الشعري» على حساب المعاني الحرفية. مثلاً، عنوان القصيدة بالفرنسية Destinez moi la Palestine يستبدله المترجمان بمقطع شعري من القصيدة وهو «اليوم الذي يدعى غداً». فيما يُترجم هذا المقطع ــــ حين يتكرّر في نهاية القصيدة ــــ بـ«اكتبوني إلى فلسطين». وهو تصرف موفق لأنها لو تُرجمت حرفياً بـ«وجّهوني إلى فلسطين» لما كان لها أن تحتفظ بشعريتها القائمة على زحزحة استعمال المفردة في النص الفرنسي، واللعب على عبارة «ارسموا لي فلسطين» Dessinez moi la Palestine. هناك تجاسر في الإضافة للجملة الشعرية، ونكاد نسمع صوت نجوان درويش الشاعر، في بعض المقاطع: «أُسوةً بقدري/ أسوةً بصخرةٍ بين الصخور». صوته الشعري ومزاجه أيضاً، في إحدى لازمات القصيدة O Bédouin. هذه الأخيرة التي من معانيها «يا أيها البدوي» تحوّلت لدى ترجمتها إلى «يا أيها المرتحل». ولعلّه لم يستخدم كلمة «البدوي» لما قد توحي به من دلالات استشراقية، فيما يترجم مقطع comme toujours à jamais\ mis à sang – mes adorés إلى «مثلما دائماً وأبداً/ دماؤكم تُسفَكُ ــــ يا أقرب أقربائي» فتصبح «أقرب أقربائي» ترجمةً لكلمة mes adorés بينما يمكن ترجمتها بـ«يا أحبائي».
هكذا، تبدأ «دار الفيل» أول إصداراتها بكتاب شعري مزدوج اللغة وبإخراج فني متقدم. الدار التي تأسست حديثاً قد تكون الدار الفلسطينية الوحيدة حالياً في القدس. ويعد إصدارها هذا النوع من الترجمات الشعرية بدايةً لافتة. إذ يندر أن تتصدى الدور الفلسطينية القليلة المتعثرة، لهذا النوع من الترجمات الشعرية وللإصدارات الشعرية عموماً.