بعد التضييق الذي تعرّضت له المحطة اللبنانية في أوروبا وأستراليا وأميركا، ها هي تواجه خطر سحب ترخيصها ومنع بثّها على الأراضي المصريّة. البتّ في الدعوى بعد شهرين

محمد عبد الرحمن
كل مصري يعرف أنّ عدداً كبيراً من الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم هي مجرّد وسيلة لبعض المحامين الباحثين عن الشهرة لتداول أسمائهم في الصحف ووسائل الإعلام. وفي هذا الإطار تأتي الدعوى التي رفعها المحامي المصري سمير صبري، القاضية بسحب ترخيص قناة «المنار» اللبنانية. وقد تزامنت هذه الدعوى مع الضجة التي أثارها ما عرف بـ«خلية حزب الله» في مصر، في شهر نيسان (أبريل) الماضي. وقضت المحكمة بتأجيل البت بالدعوى إلى شهر أيلول (سبتمبر) المقبل. وبالتالي، فالقضية ستبقى في أروقة المحاكم أشهراً، وقد ينساها كثيرون حتى مَن حرّكها. أما السبب فهو أنّ هدف سمير صبري سيكون قد تحقّق، وكلّ وسيلة إعلامية ستذكر اسمه.
طبعاً «المنار» ليست الوسيلة الأولى التي تطالها أذرع المحامين المصنّفين بحسب قاموس المعارضة المصرية بأنّهم من وسائل التضييق غير المباشرة على الحريات. وغالباً ما تحرّك الخلفيات السياسية كل القضايا المشابهة. إذ إنّ الجميع يدرك أنّ مهاجمة وسيلة إعلامية للنظام المصري لن تؤثّر على مكانة مصر. أضف إلى ذلك أنّ النظام المصري لا يحتاج إلى قرار قضائي لسحب الترخيص من أي محطة تلفزيونية بين مئات القنوات التي تبثّ عبر قمر «نايل سات». كما أنّ إغلاق القنوات، الذي نادراً ما يحدث، لا يحتاج إلى مبرر حتى من إدارة القمر الصناعي المصري. وبالتالي، فإن جهود المحامي تهدف فقط إلى إثارة الغضب الشعبي ضد القناة اللبنانية وتأكيد الولاء للحزب الذي يكون قادته غالباً أكثر تعقلاً من بعض الأعضاء الذين يطبقون دائماً قاعدة «ملكيّين أكثر من الملك».
دليل آخر على تداخل السياسة في القضية هي أنّ قناة «العالم» الإيرانية لا تتعرض للضغوط عينها من المحامين، مع أنّها ممولة وناطقة باسم النظام الإيراني المختلف مع النظام المصري. لكن لو فرضنا أن حكماً صدر بمنع بث «المنار»، فإنّ الحكومة المصرية وحدها هي المخوّلة بتنفيذه. والطريف أنها لو امتنعت عن ذلك، فمن حق المحامي نفسه مقاضاة الحكومة لأنها رفضت تنفيذ الحكم.
ولعلّ أبرز مثال على أنّ القرار سياسي أكثر مما هو قضائي، هو العودة إلى 14 قراراً قضائياً نصت على حقّ عودة جريدة «الشعب»، الناطقة باسم «حزب العمل»، إلى الصدور، غير أنّ الصحيفة لم تصدر حتى اليوم، لأنّ الجهات المعنية ترفض تنفيذ القرار!
وإلى جانب «المنار»، «يقف» الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في ساحة المحاكم المصرية بعدما حرّك محامي الجماعات الإسلامية ممدوح إسماعيل دعوى يطالب فيها بمنعه من دخول البلاد لحضور مؤتمر دول عدم الانحياز. والمبرر بالطبع ليس الخلاف السياسي بين البلدين، بل تهمة «سبّ الصحابة»، وهي التهمة التي انتبه إليها إسماعيل في ظل الخلاف المحتدم بين القاهرة وطهران. ويبدو أنّ محامي الجماعات الإسلامية غير مهتم بما يتردد عن علاقة هذه الدعوى بحالة الوفاق بين تلك الجماعات والنظام المصري، وقد لا تكون لديه إجابة عن عدد القضايا التي حرّكها ضد زيارات قيادات الدولة العبرية المتكررة للقاهرة قبل أحداث غزة وبعدها.
غير أن الملاحظة الأهم بشأن قضيتَي «المنار» والرئيس الإيراني هي أنّ محامي الدعاوى المثيرة للجدل قد اتجهوا للمرة الأولى نحو الشأن الخارجي. إذ إنّ كل الدعاوى المرفوعة في السابق كانت قضايا مصرية داخلية، أبرزها ما عرف بقضية «صحة الرئيس» وحُكم على إثرها بسجن الصحافي المصري إبراهيم عيسى، قبل أن يصدر عفو رئاسي عنه. هنا تجدر الإشارة إلى أن هذه القضية مثلاً لم تحرّكها رئاسة الجمهورية بل محامون تابعون للحزب الوطني.
وهو ما تكرر مع قضية «رؤساء التحرير الأربعة» التي اتهم فيها رئيس تحرير «الفجر» عادل حمودة ورئيس تحرير «صوت الأمة» آنذاك وائل الإبراشي ورئيس تحرير «الكرامة» وقتها عبد الحليم قنديل ورئيس تحرير «الدستور» إبراهيم عيسى بسبّ رموز الحزب الوطني وقذفهم.
وقبل كل هؤلاء، كانت هناك القضايا المرفوعة ضد الباحث سعد الدين إبراهيم بتهمة التحريض على النظام المصري في الصحف الأميركية وقبول أموال من جهات خارجية لاستخدامها في تمويل نشاطات غير مشروعة تهدد البلاد. وإلى جانب تلك القضايا، تسير، بوتيرة أكثر سخونة، الدعاوى الموجهة ضدّ الفنانين والمثقفين ونقرأ عن تحريكها في الصحف كل فترة من دون أن يتابع أحد ما تصل إليه هذه القضايا لاحقاً. إذ يكون مصيرها دائماً التجميد أو الرفض من الجهات القضائية. لكن ذلك لم يمنع أبداً هؤلاء المحامين، وأشهرهم نبيه الوحش، من تكرار الفعلة مع الالتزام بالتخصّص! فمن يحرّك الدعاوى ضد عمرو دياب والراقصة دينا، لا يخُضْ معارك موازية ضد «المنار» ومحمود أحمدي نجاد.


محطة الحروب الأولى

تنافس «المنار» قناتي «الجزيرة» و«العربية» داخل الشارع المصري في حالات الحروب فقط لا غير. إذ ترتفع نسبة مشاهديها المصريين عند وقوع عدوان أو حدث ساخن في لبنان أو فلسطين. ولأن الاتجاه الغالب لدى المصريين هو دعم المقاومة، فإن خطاب «المنار» يصبح في تلك الظروف متناسباً مع المزاج المصري. لكن عندما تضع الحرب أوزارها، تعود «المنار» إلى باقة القنوات اللبنانية المحلية التي لا يهتم بها المشاهد المصري كثيراً، وخصوصاً أن الشاشة المحافظة لا تقدم أفلاماً لافتة تجذب المصريين. وحتى المسلسلات التي تحصل على حق عرضها الأول في رمضان، تعاني من الرقابة أحياناً